على مدى 22 شهراً، لم يترك الاحتلال الإسرائيلي شبراً في قطاع غزة إلا ودخله، باستثناء بعض مناطق مخيمات المحافظة الوسطى. ومع ذلك، أعلن عن عزمه تنفيذ خطة جديدة لاحتلال القطاع على عدة مراحل، رغم اتساع رقعة الخلافات داخل إسرائيل حول جدوى هذه الخطة وتبعاتها، سواء على المستوى السياسي أو العسكري.
ويعارض المستوى العسكري الخطة ويرى أنها غير مجدية، مفضلاً التوصل إلى صفقة لإعادة المحتجزين بدلاً من التورط في مواجهة جديدة قد تؤدي إلى مزيد من الخسائر البشرية والمادية. وبينما تؤكد بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية أن الخطة لا تزال في طور الإعداد وتحتاج لنحو أسبوعين حتى تصبح قابلة للتنفيذ، تتحدث تقارير عن حاجتها لقوات إضافية كبيرة.
مراحل التنفيذ ومدد زمنية
بحسب هيئة البث الإسرائيلية العامة، تهدف الخطة أولياً إلى عزل محافظتي غزة والشمال عن باقي مناطق القطاع، عبر فرض حصار مشابه لما جرى بعد السيطرة على محور نتساريم في نهاية أكتوبر 2023. ورغم خلو محافظة شمال غزة من السكان نتيجة العمليات العسكرية، فإن الاحتلال الإسرائيلي لا يزال يفرض سيطرة نارية عليها.
وتتكدس أعداد كبيرة من النازحين – تصل إلى مليون شخص – في غرب مدينة غزة، خاصة بعد النزوح القسري من الأحياء الشرقية. ووفقاً للتقديرات، ستشارك في العملية من 4 إلى 6 فرق عسكرية، وتركز على حصار هذه المناطق تمهيداً لاقتحامها.
من المتوقع أن تبدأ العملية في 7 أكتوبر 2025، وستُمهَّد بتحذيرات لسكان المناطق المستهدفة للنزوح نحو مناطق جنوب القطاع، وهي خطوة قد تحتاج إلى 45 يوماً. ورجحت التقارير أن تستمر العملية من 4 إلى 5 أشهر، مع إمكانية توقفها في حال طرأ تقدم في مفاوضات تبادل الأسرى.
الميدان تحت النار
ميدانياً، واصلت قوات الاحتلال الإسرائيلي وجودها في أجزاء من الأحياء الشرقية لمدينة غزة، وخاصة في حي الزيتون، بالتوازي مع تصعيد القصف المدفعي والجوي على الحي ومحيطه، وصولاً إلى أطراف حي تل الهوى، مما أدى إلى موجة نزوح جديدة.
وبحسب مصادر ميدانية، قد يبدأ الحصار الكامل حال تنفيذ الخطة، بالسيطرة مجدداً على الجزء الغربي من محور نتساريم. وقد يُفتح شارع الرشيد مؤقتاً لنقل النازحين، قبل أن يُغلق لإحكام الحصار وبدء الاقتحامات.
وتتوقع المصادر أن تستهدف الخطة تدميراً واسعاً في مدينة غزة، خاصة في أحيائها الغربية التي كانت هدفاً سابقاً لعمليات عسكرية عنيفة في نهاية 2023. كما قد تشمل العملية اقتحاماً متزامناً من عدة محاور: جنوب المدينة وشرقها وشمالها الغربي، مع تمركز محتمل في أحياء مركزية مثل الكرامة، وتل الهوى، والزيتون، والشجاعية، وصولاً إلى الرمال والشيخ رضوان ومخيم الشاطئ.
الأهداف والغايات
رغم إعلان الاحتلال الإسرائيلي أن الهدف من الخطة هو الضغط على حركة “حماس” لاستعادة المحتجزين، يرى كثير من الفلسطينيين أن الهدف الحقيقي يكمن في تدمير البنية السكنية لمدينة غزة، وإفراغها من سكانها، على غرار ما جرى في شمال القطاع.
وذكرت مصادر ميدانية أن الاحتلال يسعى إلى إحداث تغيير ديموغرافي، عبر حشر السكان في جنوب القطاع، والاحتفاظ بسيطرة كاملة على المناطق الوسطى والشرقية والجنوبية، ما يفتح الباب أمام سيناريوهات خطيرة قد تشمل التهجير.
كما أكدت هذه المصادر أن الخطة تهدف أيضاً إلى فرض وقائع ميدانية دائمة، قد يصعب التراجع عنها مستقبلاً، وهو ما يتقاطع مع أهداف بعض التيارات السياسية الإسرائيلية، التي تسعى لإعادة الاستيطان في القطاع.
خلافات داخل الاحتلال الإسرائيلي
الخلافات داخل الكيان الإسرائيلي بشأن الخطة باتت واضحة، خاصة بين المستوى السياسي، الذي أقرها عبر المجلس الوزاري المصغر (الكابينت)، والمستوى العسكري الذي يبدي تحفظاً كبيراً.
ويرى رئيس أركان جيش الاحتلال، إيال زامير، أن الجيش يعاني من الإرهاق ونقص في الأفراد، وأن تكلفة استدعاء الاحتياط باهظة، مما قد يطيل أمد العملية. كما يفضل فرض حصار فقط بدلاً من شن عملية اجتياح شامل.
من جهة أخرى، عبّر وزير المالية والاستيطان بتسلئيل سموتريتش عن عدم رضاه عن خطة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، واعتبر أنها لا تقود إلى “نصر”، معتبراً أن النهج الحالي منذ قرابة عامين لا يحقق الأهداف المعلنة.
وتبقى الخطة – رغم التصريحات الرسمية – مرهونة بمآلات الميدان والضغوط الدولية، خاصة الأميركية، في وقت يُقدَّر فيه وجود أكثر من 800 ألف فلسطيني داخل مدينة غزة.
وتشير التقديرات إلى أن الاحتلال قد يتّبع نهجاً بطيئاً وتدريجياً في تنفيذ الخطة، لفتح نافذة أمام الوسطاء الدوليين، وعلى رأسهم الولايات المتحدة وقطر ومصر، للتوصل إلى اتفاق لتبادل الأسرى.