المقالات

الشيخ د . طالب الكثيري .. كيف يميز المسلم في اقتتال المسلمين بين ما هو من الفتن وما هو من الجهاد المشروع ؟

النصوص الشرعية قد أوضحت الفارق بين الفتن التي يسعى المسلم لتجنبها، وبين الجهاد الشرعي الذي يسارع المسلم له، ومن تلك العلامات الفارقة بينهما، ما يأتي :

العلامة الأولى (الغاية): أن الفتنة تُطلب بها الدنيا، ويسعى لإقامتها، فيراد بها شحاً مطاعاً، وهوىً متبعاً، ودنياً مؤثرة، وأما الجهاد المشروع فيراد به إظهار الحق والدفاع عنه، قال صلى الله عليه وسلم: “لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق، ظاهرين إلى يوم القيامة”، وقال تعالى: (فَلْيُقاتل في سبيل الله الذين يَشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيُقتل أو يَغْلب فسوف نُؤتيه أجراً عظيماً) .

العلامة الثانية (واقع الحال): أن الفتنة تختلط فيها الأمور، فلا يميز المسلم بين المحق والمبطل، والظالم المعتدي والمظلوم المعتدى عليه، وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم  الفتن بقطع الليل المظلم؛ لاشتباه الحق بالباطل، ووصف المسلمين فيها بقوله: “وكانوا هكذا”، وشبّك بين أصابعه، ووصف السلف زمان الفتنة بأنه زمان قوم لا يتبعون العليم، ولا يستحيون من الحليم، أما إذا ظهر الحق والباطل، وعرف الناس الظالم من المظلوم كانت نصرة الحق جهادًا، ورد الظلم من دفع الصائل المأمور به، قال تعالى: (وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا * الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) .

العلامة الثالثة (فتوى العلماء) – وهي أوضحها – : أن الفتن يقودها الجهلة من الناس، ويخالفهم فيها أهل العلم؛ وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن الساعة لا تقوم حتى يقبض العلم، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج (وهو القتل)، وأهل العلم الراسخون هم الذين يميزون الحق من الباطل، والجهاد من الفتن، والمتعين على الناس رد ما اشتبه عليهم إلى علمائهم، قال تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا) .

العلامة الرابعة (حال القلب): أن الفتن يموت فيها قلب الرجل كما يموت بدنه، ويصبح مؤمنًا، ويمسي كافرًا، يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل، فإمام المستشرف لها الدنيا، وعاقبته موت القلب، أما الجهاد في سبيل الله فغاية المسارعين إليه أن تكون كلمة الله هي العليا، ومآلهم ما أنت سامع وراءٍ من حسن العاقبة .

العلامة الخامسة (العاقبة): قال حذيفة رضي الله عنه- وهو الخبير بالفتن: “إِذَا أَحَبَّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَعْلَمَ أَصَابَتْهُ الْفِتْنَةُ أَمْ لَا، فَلْيَنْظُرْ فَإِنْ كَانَ رَأَى حَلَالًا كَانَ يَرَاهُ حَرَامًا فَقَدْ أَصَابَتْهُ الْفِتْنَةُ، وَإِنْ كَانَ يَرَى حَرَامًا كَانَ يَرَاهُ حَلَالًا فَقَدْ أَصَابَتْهُ”، أخرجه الحاكم، والدفاع عن العقيدة الصحيحة ودفع الصائل المعتدي من الحلال الذي أحله الله وأمر به، ولو زهقت فيه النفوس، فإذا حلت العقوبة أنجى الله الذين ينهون عن السوء، وترك الظالم يعيث في الأرض فسادًا، فيهدم مساجدها، ويقتل خيارها، وينشر الضلالات من الحرام الذي حرمه الله تعالى، ونهى عنه، ودفعه من قول الله تعالى: (وَلْتَكُن مّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)، وتركه من قوله تعالى: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) ، قال ابن عباس: “الفتنة هنا: القتل”، وقال جعفر بن محمد: “سلطان جائر يسلط عليهم”، وفي المقابل قتل النفس بغير حق من الحرام الأكيد الذي عظمته النصوص الشرعية، فمن أحله بغير برهان وقع في الفتنة، والله أعلى وأعلم .

 

المركز الوطتي لعلاج الأورام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى