المقالات

الشيخ د. طالب الكثيري .. ماذا تعرف عن نبي الأمة صلى الله عليه وسلم ؟ ( 1 )

إن بعثة النبيصلى الله عليه وسلم من أعظم النعم التي منَّ الله بها علينا، ومن أجل المنن التي تفضل الله بها علينا- معاشر المؤمنين-، وقد قال الله تعالى وهو يصف هذه المنة العظيمة: ( لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) .

إنَّ البـريةَ يومَ مبعثِ أحمــد      نظرَ الإلهُ لها فبدّلَ حالها

بل كرَّم الإنسانَ حين اختارَ من      خيرِ البريةِ نجمَها وهلالها

 لبسَ المرقـعَ وهو قــائدُ أمةٍ     جبت الكنوزَ وكسرت أغلالها

فأيّ شرفٍ هو شرف نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأي منزلةٍ هي منزلته، والله يقول: (وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا)، فماذا يقال بعد ذلك وقد قالها الله تعالى:( وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا).

خصائص النبي صلى الله عليه وسلم على سائر الأنبياء والرسـل:

لعلك تعرف أن نبينا صلى الله عليه وسلم فضلّه الله عز وجل على سائر الأنبياء والمرسلين، لكن لماذا لا نقف قليلاً على ملامح هذا التفضيل :

  • لقد أخذ الله تعالى الميثاق على جميع المرسلين من آدم إلى عيسى عليهما السلام إذا بُعث في زمان أحدكم محمد صلى الله عليه وسلم وجب عليه أن يؤمن به ويتبعه ولا تمنعه نبوته من اتباعه، وأخذ كلُ رسولٍ ونبي على قومه العهد والميثاق أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم إذا بعث في زمانهم وأن يتبعوه، قال الله تعالى:( وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ)، فأي فخرٍ هذا الفخر، وهو القائل صلى الله عليه وسلم:” أنا سيد ولد آدم ولا فخر ” [ أخرجه مسلم:2287 ].
  • ولو أنك تأملت كتاب الله، وربنا عز وجل ينادي الرسل بأسمائهم؛ فيقول سبحانه:(يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ)، (يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا)، (يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا)، (يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ)، وهكذا ينادي الله جل جلاله في القرآن سائر النبيين فيقول:( يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ)، (يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ)، (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ)، (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ)، (يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ)، ولما جاء نداء محمد صلى الله عليه وسلم لم يناده ربه باسمه، بل ناداه بأكرم وصف وأشرف لقب فقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ)، (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ)، فما أعظم هذا النداء، وما أشرف هذا الخطاب!!

صلى عليك اللهُ يا علمَ الهـدى         واستبشرت بقـدومِك الأيامُ

هتفت لك الأرواحُ من أشواقِها        وازينت بحديثِك الأقـــلامُ

  • وإذا جاء يوم القيامة وازدحم أهلُ الموقف في العرصات، وتأخر كل الرسل عن الشفاعة، واعتذر كل رسول بذنبٍ أصابه؛ آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام، وقالوا: نفسي، نفسي، نفسي، قال نبينا محمدصلى الله عليه وسلم:”أنا لها “، فيقوم ويسجد لربه ويدعوه ويثني عليه بأعظم المحامد، فيقول له رب العزة سبحانه: يا محمد ارفع رأسك، وقل يسمع لك، وسل تعط، واشفع تشفع، فيسأل الله فصل القضاء بين أهل الموقف، فهذا هو المقام المحمود الذي يحمده عليه الأولون والآخرون، ولا تظن أيها الشاب المبارك أنك لا تعرف رسولك يوم القيامة، كيف وهو القائل:” وبيدي لواء الحمد يوم القيامة، ولا فخر” [أخرجه الترمذي:3148 ].
  • ثم لو نظر الناظر فيما أيد الله به رسله من آيات ومعجزات لظهرت له المنزلة الرفيعة التي اختص الله بها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على سائر الأنبياء، فإن كان الماء تفجر من الحجر معجزةً لموسى عليه السلام، فإن جنس الأحجار مما يتفجر منه الماء، لكن ماذا تقولون فيمن نبع الماء من بين أصابعه صلوات ربي وسلامه عليه!، وإن كان كليم الله موسى عليه السلام كلمه ربه بالطور في الوادي المقدس، فما تقولون فيمن كلمه ربه في أعلى سماء عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى، وإن كان عيسى عليه السلام أبرأ الأكمه مع بقاء عينه في مقرها بإذن الله، فرسول الله صلى الله عليه وسلم رد العين بعد أن سالت على الخد وأبصر الرجل بها، وإن كانت معجزات الأنبياء قد انتهت وانقرضت فإن معجزة محمدٍ صلى الله عليه وسلم باقية إلى قيام الساعة، وإن كانت كتب الأنبياء قد حُرفت وبُدلت فإن قرآن محمدٍ صلى الله عليه وسلم باقٍ إلى قيام الساعة، بل هو القائل صلى الله عليه وسلم: ” ما من الأنبياء نبي إلا أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحياً أوحاه الله إليّ، فأرجو أني أكثرهم تابعاً يوم القيامة”[أخرجه البخاري:4918 ومسلم:152 ].
  •   وإذا أتى المؤمنون الجنة رأوا نهرًا حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف وطينته المسك، إنه نهر الكوثر الذي أعطيه رسولنا الكريم، وإذا وقف الناس بالعرصات فحوضٌ طوله شهرٌ وعرضه شهرٌ ماؤه أحلى من العسل وريحه أطيب من ريح المسك، من شرب منه شربةً واحدةً لم يظمأ بعدها أبدًا، هو حوض نبينا صلى الله عليه وسلم ، وفي الجنة درجة عالية لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله يقال لها: ” الوسيلة”، يقول نبينا صلى الله عليه وسلم:” وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة”[أخرجه مسلم:384] اللهم فبلِّغ رسولنا الوسيلة، وارزقنا شفاعته .
المركز الوطتي لعلاج الأورام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى