يواصل الاحتلال الإسرائيلي استهداف الصحافيين في قطاع غزة منذ بدء عدوانه على القطاع قبل 22 شهراً، في إطار محاولة متعمدة لطمس الحقائق والتعتيم على الجرائم المرتكبة بحق السكان المدنيين.
وكان آخر الضحايا صباح الاثنين، حيث استُشهد ستة صحافيين في قصف مباشر استهدف خيمتهم داخل عيادة مجمع الشفاء الطبي بمدينة غزة. من بين الشهداء طاقم قناة «الجزيرة» القطرية: المراسل أنس الشريف، محمد قريقع، المصوران إبراهيم ظاهر ومؤمن عليوة، والمساعد محمد نوفل، إضافة إلى الصحافي المستقل محمد الخالدي.
وادعى جيش الاحتلال الإسرائيلي أن أنس الشريف كان “قائداً لخلية تابعة لحماس” وزعم أنه مسؤول عن إطلاق صواريخ، وهو ما نفته مصادر فلسطينية وعائلته، مؤكدين أنه ترك أي نشاط تنظيمي منذ سنوات وكرّس حياته المهنية للعمل الإعلامي.
وقال بيان جيش الاحتلال إن العملية استهدفت الشريف تحديداً، وهو ما يشير إلى وجود نية مبيتة لتصفية إعلاميين مؤثرين، خصوصاً أولئك الذين بقوا داخل غزة لتوثيق الكارثة الإنسانية اليومية.
استهداف ممنهج للصحافة
بلغ عدد الصحافيين الذين استشهدوا منذ بدء العدوان، بحسب نقابة الصحافيين الفلسطينيين، 238 صحافياً، قتلوا إما عبر اغتيالات مباشرة أو قصف لمقار ومواقع عملهم أو استهدافهم خلال تغطية الأحداث. وتُعد هذه النسبة من الاستهداف الأعلى في تاريخ الحروب الحديثة.
وأصبح أنس الشريف، الذي لم يغادر شمال غزة رغم الحصار، صوتاً بارزاً ينقل معاناة السكان، لا سيما في ظل المجاعة والانهيار الصحي والإنساني، وكان له دور بارز في تسليط الضوء على جرائم الحرب والانتهاكات ضد المدنيين.
وقد سبقه إلى الشهادة عدد من زملائه، بينهم إسماعيل الغول مراسل “الجزيرة”، الذي اغتيل في يوليو 2024، ومحمد قريقع، الذي تولى التغطية بعده. جميعهم فقدوا أفراداً من عائلاتهم في قصف متواصل طاول منازل المدنيين ومقار المؤسسات الإعلامية.
قصف متكرر… وصمت دولي
تقول الصحافية الفلسطينية أمل الوادية إن الصحافي في غزة لا يُستهدف فقط لأنه يحمل الكاميرا، بل لأنه يحاول كشف الحقيقة. وتضيف: «آلة القتل لا تفرق بين الصحافي والمنتمي لأي فصيل، فالجميع بات هدفاً للاغتيال، لإسكات صوت الحقيقة».
من جانبه، يشير الصحافي علي أصليح إلى أن استهداف الصحافيين ليس جديداً، وقد تم اغتيال ابن عمه، المصور الصحافي حسن أصليح، خلال علاجه داخل مجمع ناصر الطبي، بعد نجاته من محاولة اغتيال سابقة، مضيفاً: «الاحتلال يستهدف كل من يحمل رسالة أو علماً أو كاميرا أو قلماً… الهدف هو إفراغ المجتمع من نخبه المتعلمة».
تشييع واسع وغضب نقابي ورسمي
شارك مئات الصحافيين والأهالي في تشييع الشهداء الستة من مستشفى الشفاء في غزة، فيما أقيم بيت عزاء مؤقت في مركز رشاد الشوا الإعلامي، بحضور ممثلين عن نقابة الصحافيين.
وقال نائب نقيب الصحافيين، تحسين الأسطل، إن استهداف الاحتلال الإسرائيلي للصحافيين لن ينجح في تغييب الجرائم المستمرة بحق الشعب الفلسطيني، وإن العمل الصحافي سيستمر رغم التهديد والقتل.
بدوره، أدان المكتب الإعلامي الحكومي في غزة “جريمة الاغتيال”، محملاً الاحتلال الإسرائيلي والإدارة الأميركية والدول المتواطئة في الحرب مسؤولية هذه الجرائم. كما دعا إلى تحرك عاجل من الاتحاد الدولي للصحافيين والمنظمات الحقوقية لمحاكمة مجرمي الحرب.
وعلى الصعيد الرسمي، أدان حسين الشيخ، نائب الرئيس الفلسطيني، العملية، واصفاً إياها بـ”جريمة حرب مكتملة الأركان”، داعياً إلى محاسبة الاحتلال أمام محكمة الجنايات الدولية.
من جانبها، أصدرت منظمة “مراسلون بلا حدود” بياناً شديد اللهجة، نددت فيه باغتيال الصحافيين، وعلى رأسهم أنس الشريف، مؤكدة أنه كان “صوت المعاناة التي فرضها الاحتلال الإسرائيلي على سكان غزة”، مطالبة المجتمع الدولي باتخاذ إجراءات فورية لوقف جرائم الحرب ضد الصحافيين.