أخبار اليمن

ببلد غارق بالحروب يحاول شباب يمنيون إحياء “الفن السابع” من خلال “سينما صوت”

صدى الوادي / أخبار محلية

في مقهى صغير جنوبي العاصمة صنعاء، يواصل شبان يمنيون منذ أشهر، عرض أفلام سينمائية، كل أربعاء، في محاولة لإحياء «الفن السابع»، في بلد غارق في الاضطرابات السياسية والحروب منذ أكثر من عام ونصف.وفي قاعة صغيرة داخل مقهى «كوفي ترايدر» (تتسع لنحو 50 مقعداً)، جلس شبان وفتيات على تلك الكراسي، واستعدوا لمشاهدة الفيلم الأسبوعي، الذي يعرض ضمن مشروع «سينما صوت» من جهاز عرض «بروجكتر» على لوحة بيضاء.«سينما صوت» هو أحد مشاريع «منظمة صوت للتنمية»، وهي غير ربحية ذات توجه ثقافي وبعيدة عن الاستقطاب السياسي في اليمن، تأسست عام 2010 وترأسها الشاعرة سماح الشغدري.

بدأت أحداث الفيلم السينمائي الذي يحمل اسم «الرهان الخاسر»، وهو فيلم أنتجته الحكومة اليمنية عام 2001، لمحاربة الإرهاب، حينما كان تنظيم «القاعدة» المتشدد ينمو في جنوب الجزيرة العربية.وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها عرض الفيلم، حيث درجت العادة الأسبوعية على عرض أفلاماً سينمائية هوليودية في الغالب، وبعض منها عربية، لخلق حالة من التشويق والإثارة في كل أسبوع. ولأن الدخول إلى السينما الجديدة يتم بصورة مجانية، فإن تلك الخطوة ساهمت في زيادة إقبال الجمهور على صالة العرض، فضلاً عن أن الدعوات التي تستبق كل عرض في مواقع التواصل الاجتماعي، تحظى بنقاشات إيجابية، ما جعل المؤسسة المنظمة لتلك العروض ترفع بثقة أكبر شعارها «هزمتك يا موت الفنون جميعها»، وهي تعني أن الفن بإمكانه أن يناهض الحرب وينتصر في النهاية. ولا يسعى الشبان المنظمون لتلك العروض، بحسب أحاديث عدد منهم، إلى إحياء السينما في اليمن فقط، بل تعدى ذلك إلى إيمانهم بأن الفنون بشتى تصنيفاتها والثقافة بكل طرقها، تُقلل من نوازع الشر في الفرد، خصوصًا بعد انخراط العشرات من اليمنيين في الحروب الأهلية.

وأغلقت معظم دور السينما في اليمن أبوابها في وجه مرتاديها، مع أواخر تسعينات القرن الماضي ومطلع الألفية الجديدة لعدة أسباب، من بينها هجوم بعض الدعاة والمشايخ على السينما، وتحولت مقراتها إلى أسواق شعبية وبنايات سكنية، عدا القليل منها، لا تزال أطلالاً شاهدة على فترة الثمانينات عندما كانت السينما مزدهرة في اليمن.و من بين تلك الدور، «سينما بلقيس» وسط العاصمة اليمنية صنعاء، التي تهدّم جزء من يافطتها، فيما تكسو الأتربة، معالمها، وبدت نوافذها وأبوابها صدئة ومهترئة. ووفق سماح الشغدري، المشرفة على مشروع «سينما صوت»، لا توجد أي صالة عرض سينمائي رسمية في اليمن حاليًا.

وتضيف الشغدري للأناضول: «يوجد في صنعاء صالة صغيرة تعرض الأفلام، وهي تابعة لأحد المراكز التجارية، ولا تعرض الأفلام بشكل منتظم، وإنما في الأعياد والمناسبات، وسعر الدخول إليها مرتفع بالمقارنة مع وضع اليمنيين، حيث يبلغ 8 دولار للفرد». ويحاول مشروع «سينما صوت»، وفق القائمين عليه، أن يُعيد للفن السابع جمالياته، وقيمته الفنية في أوساط اليمنيين، بعد أن تعرضت السينما لجملة من الاتهامات قبل إغلاقها، على غرار أنها تُساهم في نشر الرذيلة والفحش في أوساط الشباب، وتعرض أفلاماً تحوي على مشاهد مُخلة بالحياء والعادات والتقاليد، حتى وُصم في فترة من الفترات، من يذهب لمشاهدة الأفلام في السينما، بـ»الفاحش». ورغم محدودية المشروع السينمائي، قالت الشغدري: إن هناك وعيا كبيرا يتشكل من قبل المجتمع اليمني بثقافة السينما، وضرورة إحيائها من جديد، وإن بدايات المشروع أظهرت أن «هناك تقبل كبير وحماس للسينما». ولا يقتصر الأمر على أن المشروع يعرض أفلاماً سينمائية فقط، بل يتعدى ذلك إلى استضافة عدد من النقاد السينمائيين لإثراء المناقشات التي يساهم بها الجمهور عقب كل عرض، وهذه الخطوة شجعت المؤسسة والجمهور على حد سواء، في مواصلة المشروع الذي ينهي فترته الثانية بعد أسابيع.

وبدأ المشروع مرحلته الأولى في 4 نوفمبر من العام المنصرم، واستمر حتى منتصف مارس من العام الجاري، نفذت خلاله المؤسسة عشرين عرضًا، بدعم من صندوق الأمير كلاوس الهولندي (أسس عام 1996، ويهتم بالأنشطة الثقافية وتدعمه ماليًا وزارة الخارجية الهولندية). تتابع الشغدري: «كان تفاعل الجمهور مبهرا في كل مرة، فرغم استهدافنا الشباب إلا أن الحضور كان من فئات عمرية مختلفة». مع توقف المرحلة الأولى (مارس 2016)، كانت المطالبات تُلح على الشغدري وأصدقائها بمواصلة العروض السينمائية، مما حدا بها إلى البحث عن ممول آخر، وكانت هذه المرة في السفارة الهولندية، التي قبلت تمويل المرحلة الثانية (بدأت في 20 يوليو الماضي ولا تزال مستمرة)، إلا أنه كان أقل من المطلوب، كما تقول الشغدري. من الأفلام الحائزة على جوائز الأوسكار، إلى الكوميدية، والخيال العلمي، والعربية، والهندية، تنوعت عروض مشروع «سينما صوت»، إلا أن المسؤولية لا تزال كبيرة عند كل عرض، حيث يُشكل تنوع الذائقة الفنية، للجمهور حجر الزاوية في استمرارية العروض. تقول الشغدري: «نشعر بمسؤولية كبيرة عند اختيار الفيلم وموضوعه، وهذا لمسناه من خلال النقاشات التي نجريها بعد كل فيلم». وتُضيف: «ما زلنا نهتم بطرح موضوعات مهمه تمس المجتمع اليمني في الوضع الراهن مثل مساوئ الحروب، وأثرها على المجتمعات، ونعرض أفلامًا تناقش الحقوق والحريات وأهمية السلام ونبذ العنف والتطرف». وفي أحد العروض، فوجئ المنظمون بالمتابعين للعروض يصلون إلى قاعة العرض وهم مبتلين، ففي الخارج كانت الأمطار تهطل بغزارة، رغم أن التوقعات في ذلك اليوم لم تكن تشير إلى أن الفيلم سيحصد مشاهدات كبيرة، تقول الشغدري: «شعرنا بغبطة كبيرة وأن المشروع يسير في الاتجاه المأمول».

وعززت تلك الحادثة من المسؤولية في اختيار الأفلام، التي تحمل رسالة مهمة تخص المجتمع، «وجعلتنا نكتشف الذائقة العالية التي يمتلكها من يحضر العروض، وهذا يصعّب علينا من اختيار الأفلام، ليس فقط من ناحية الموضوع، وإنما أيضاً الأداء وسيناريو الفيلم، وبعض الأمور الفنية»، تتابع الشغدري. ويشهد اليمن حربًا منذ أكثر من عام ونصف العام، بين القوات الموالية للحكومة اليمنية والمناهضين لها (الحوثيين وقوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح)، مخلفة عشرات الآلاف من القتلى والجرحى، فضلًا عن أوضاع إنسانية وصحية صعبة.وتشير التقديرات إلى أن 21 مليون يمني (80% من السكان) بحاجة إلى مساعدات، فضلاً عن تسبب الحرب بنزوح أكثر من 3 ملايين نسمة.

المركز الوطتي لعلاج الأورام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى