عربية ودولية

“الموت مر من هنا”.. ناجون يروون لحظات مرعبة من زلزال المغرب

بعد مرور يومين على زلزال المغرب، الأعنف في تاريخها، تحدث الناجون عن اللحظات المريرة التي عاشوها وكيف مر الموت إلى جوارهم وخطف الأحبّة.

الكارثة بدأت عندما هز زلزال عنيف بلغت شدته 7.2 درجة على مقياس ريختر المملكة المغربية، الجمعة، ليحصد أرواح ما لا يقل عن 2122 حالة وفاة ويرقد نحو 2421 حالة على أسرة المرض، بعضهم في حالة صعبة.

 

ورغم أن الملايين نجوا من هذه الكارثة إلا أنهم كـ”الأحياء الأموات” من هول الصدمة والمشاهد التي خيل لبعضهم أنها من أهوال “يوم القيامة”، والآن يفترشون الشوارع دون مأوى يبكون حالهم وأحبتهم.

 

قصص من دفتر أحياء زلزال المغرب

 

صلاح، شاب مغربي يعيش بمفرده في منزل بمراكش، وعندما ضربت الهزة الأرضية المملكة كان في بيته يشاهد التلفاز.

ويحكي الشاب لموقع “هسبريس” المغربي: “طوال السنوات الـ28 التي أمضيتها على هذه الأرض، لم أشعر أبدا بأنني يمكن أن أموت في تلك الثانية بهذه الطريقة”.

ويروي صلاح أنه بعد عودته إلى المنزل وأثناء مشاهدته للتلفاز شعر أن أرضية المنزل تتحرك، ظن أن قطارا يمر على الرغم من أنه لا يعيش بالقرب من السكك الحديدية؛ ولكن وقوع زلزال لم يكن أمرا متوقعا بالنسبة له”.

ويضيف: “بعد ثوانٍ قليلة انقطعت الكهرباء وبدأ المبنى يهتز كطفل يلعب بلعبته، لم أشعر بهذا الرعب في حياتي، سقط كل الأثاث على الأرض، شعرت وكأنك أخذتني من كوكب وألقيتني في كوكب آخر”.

هرع صلاح إلى الدرج بسرعة كبيرة، وترك باب المنزل مفتوحا، هو لم يعد يبالي بما يتركه خلفه، ليلتقي مع جاره الذي تملك الرعب تعابير وجهه، كلاهما يفكر الآن في كيفية النجاة من هذه الكارثة.

صوت بكاء الأطفال يعلو والنساء يصرخن والظلام يغطي عينيه، ثوانٍ معدودة كانت كفيلة بأن تجعل ليلة صلاح وسكان مدينة مراكش وكأنها يعيشون فيلم رعب.

أما سكينة (18 عاما) فكانت بالمنزل برفقة أمها وأخيها (8 أعوام) حين ضرب الزلزال في أمزميز بإقليم الحوز، بؤرة الزلزال.

تحكي سكينة أن فور سماعهم لصوت اهتزاز قوي انقطعت الكهرباء، ومن قوة حركة الزلزال لم يتمكنوا من الوقوف أو التحرك، الأثاث يتساقط في كل مكان ورائحة الخوف قد فاحت، وشرعوا يرددون الشهادتين حتى توقفت الأرض عن التحرك ثم توجهوا مباشرة نحو الباب.

وتروي: “عند نزولنا في الدرج، وجدنا السقف منهارا على الأرض؛ فالحمد الله أننا لم نغادر المنزل أثناء الزلزال”.

 

أقدامهم عارية، وجوههم شاحبة، وقلوبهم خائفة، هكذا وصفت سكينة حالهم بعد الزلزال الكارثي، موضحة أن بمجرد خروجهم من المنزل وتوقف الزلزال كانت المنطقة مليئة بغبار البيوت التي سويت بالأرض والناس نيامٌ فيها.

ومن هنا بدأت رحلة البحث عن المفقودين، لتكون أولى الضحايا طفلة في الخامسة من عمرها، جسدها خالٍ من الجروح، فهي ماتت اختناقا من غبار انهيار البيوت، وما هي إلا دقائق قليلة حتى أخرجوا جدها لأمها ووضعوه ميتا إلى جوارها.

احتاجت سكينة دقائق حتى تستوعب ما حدث، لتبدأ بمحاولة الاتصال بأبيها الموجود في منزل جدها في ماريغا، بإقليم الحوز أيضا؛ لكن الشبكة كانت مقطوعة.

بعد محاولات عديدة، تمكنت من الوصول إليه لتكتشف أن منزل جدها قد انهار بالكامل؛ لكن لحسن الحظ أن والدها وجدها قد استطاعا النجاة، ولم يحالف الحظ جدتها التي فارقت الحياة تحت الأنقاض، وتقول: “أبي وأعمامي من أخرجوا جثة جدتي، فالمساعدات تأخرت في الوصول”.

توجه سكان المنطقة إلى مكان يخلو من البنايات، وقضوا الليلة في العراء، مفترشين بما زودهم به أصحاب البيوت التي لم تتضرر كثيرا، وانتظروا وصول رجال الوقاية المدنية في اليوم الثاني لإخراج من ناموا تحت ركام الأنقاض من أحياء وأموات، فلم يبقَ بالمنطقة شيء من غير منازل على الأرض وأخرى متشققة على وشك الانهيار.

 

لم تستطع سكينة إلى حد الآن الوصول إلى والدها أو أن تودع جدتها؛ فالطريق مغلق ومحطات الوقود مهدمة كليا، ولا المساعدات وصلت لتدفئ بردهم أو تغطي جوعهم فهم في الأرض نيام، لا مجال للعودة إلى منازلهم فهي توشك على السقوط في أي لحظة، وخصوصا أن الخوف من هزة أخرى ما زال ينتاب الجميع.

بصوت حزين تقول سكينة: “نحن الآن بخير؛ لكننا بحاجة ماسة إلى المساعدة، لأن الأكل بدأ ينفد والضحايا كثيرون جدا”.

حال ساكنة أمزميز كحال ساكنة ابنة دوار آيت أوزوغ، فأمل برضيعتها التي لم تتجاوز العام تفترش الأرض وتلتحف السماء، فصوت الزلزال لم يفارق مسمعها، والخوف من زلزال آخر يتكرر لدى ساكنة هذا الدوار (المنطقة).

 وحين سألنا أمل عن المساعدات أجابت بأسى: “لم يصلنا شيء من المساعدات بعد، فلم نُسأل حتى عن أحوالنا”.

بيوت على حافة الانهيار

 

“صوتٌ سُمع من الأرض وكأنها تتكلم”، وصف أطلقته بشرى من مراكش بعد سماعها لصوت الزلزال، وذكرت أن البيوت العتيقة هي الأكثر تضررا، كبيوت المدينة القديمة مثلا.

هذا الوضع أكده الشاب تانمورت، مراكشي يشتغل بالقرب من المدينة القديمة، فحين ضرب الزلزال المنطقة وبعد ثوانٍ من وقوفه مصدوما، ركض الشاب مع زملائه هربا من الموت، ليمروا بأزقة المدينة القديمة، ولقِدَمِ المنازل هناك، بدأت تتساقط على المارة، والغبار عم المكان لتصعب الرؤية من خلاله.

من مراكش إلى إقليم شيشاوة “عدد الموتى” لم يكن كثيرا مقارنة مع الأقاليم الأخرى، لكن الجميع بات مشردا، إذ إن نصف المنازل انهارت، والنصف الآخر على حافة الانهيار، وفقا لما أخبر به الشاب محمد من الإقليم.

ورغم أن تفاصيل القصص اختلفت فإن الألم كان واحدا، الكل كان نياما في بيوتهم بعد أسبوع شاق من العمل استعدادا لغد لكن غدا لم يحل عليه، ومنهم من نام بأحضان أحبابه واستيقظ وحيدا، ومنهم من ضاع له شقاء دهر في ثوانٍ، والجميع يشترك في الحزن على ما أصاب البلد وأبناءه.

image

image

المركز الوطتي لعلاج الأورام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى