تقارير

المخططات الجبلية العشوائية تنذر بكارثة وشيكة في سيئون

سيئون (( الأيام )) خالد الكثيري :

الحفريات وعمليات الردم الجارية في المخططات السكنية العشوائية على المنحدرات الجبلية في الجبل الغربي لمدينة سيئون تنذر بالكارثة الوشيكة على البيوت القائمة في الأحياء السكنية المتاخمة لتلك المنحدرات ، ومعظم التوقعات والتصورات للخبراء والمهندسين تؤكد على ان المخططات العشوائية تلك وتحديدا ، مخطط العصيدة ، في حي الحوطة وكذا مخطط الحصي الأربع بحي الوحدة تحرف مجاري السيول إلى مركز المدينة حيث التجمعات والوحدات العمرانية المأهولة بالسكان من عشرات السنين، وما ينذر بجرف البيوت إلى مجاري السيول سيما وان مباني الوحدات السكنية في سيئون مبنية من الطين .
المواطن ،عبدالله أبوبكر العيدروس، وهو أحد سكان البيوت السكنية المتضررة جراء حرف المسار الطبيعي للمجاري الجبلية للسيول في ساحة مسجد الرحمن بحي الوحده بمدينة سيئون قال ، ان معاناة سكان حي الوحدة و ساحة مسجد الرحمن خاصة القديم منها ، بات مهددا بالانجراف بسبب المخططات العشوائية وصرف الأراضي على مجاري السيول مما يؤدي إلى حرف المجاري تلك نحو الوحدات السكنية المنتظمة بمخططات رسمية .
ويأتي العمل بالمعدات الثقيلة واستخدام البارود لتفجير الأحجار في المنطقة الجبلية كعامل مسرع لإنهيار منازل المواطنين المحاذية لتلك المنطقة ،
وأشار ، العيدروس ، إلى أنه تم تقديم العديد من الشكاوي للجهات المسؤولة ، وأنه “تم تشكيل العديد من اللجان ولكن مازال العمل مستمر في مجاري السيول ولا نعلم ما هي نتائج تلك اللجان والنزولات فأرواح و ممتلكات سكان الحي امانه في أعناق الجهات الرسمية ، كما طالب الجهات المسؤولة بالعمل على تشكيل لجنة تظم بعض الشخصيات الاجتماعية و كذلك سكان البيوت المجاورة لمجاري السيول لوضع حد عملي وعاجل لتلك المشكلة ” .
وقال ، منذ الخمسينات والستينات لم تقم الدولة الكثيرية بالسماح بالبناء في مجاري السيول وكذا مع التوسع العمراني في السبعينات والثمأنينات والتسعينات لم يتم توزيع شبر واحد في المرتفعات الجبلية ومجاري السيول لخطورة هذه المواقع على السكان ، مثلا الجبل الممتد من الاتجاهين لمدرسة التعاون بالسحيل وكذا الجبل الغربي في الحوطة باتجاه الزاوية وكذا الجبل الغربي لمسجد بن موسى والجبل الغربي لحي الوحدة الممتد من عيادة فلهوم حتى حقل المياه ، واما اليوم عدم المتابعة من قبل الجهات بل ان تلك الجهات الرسمية شريكة في العبث الذي حصل بالمواقع المذكورة من خلال إصدارها وثائق واحيانا كثيرة استمارات حجز مواقع وقطع سكنية على ضفاف الجبال والعمل جاري على تهديم الجبال والبناء وسط مجاري السيول ودون إكتراث لتغيير اتجاه نزول السيول وما تشكلة من خطورة على على مركز المدينة وأحيائها القديمة والقائمة على سوية الأرض ، وكذلك الخطورة المترتبة عن أعمال تكسير الجبال من تحرك الأحجار الكبيرة البعض منها حجمها 2 × 2 متر وتسببت أعمال الردم في الجبال إلى هرولة بعضها باتجاه بيوت الناس وكما ان بعضها لاتزال تنذر بحدوث الكوارث على أرواح وممتلكات الأسر الآمنة في بيوتها ،
وأستغرب المواطن العيدروس تواطؤ الجهات الرسمية وخاصة هيئة الأراضي وعقارت الدولة ومكتب الاشغال العامة وتعاونها مع الباسطين وحجم العبث المتواصل من قبلها ،
” المجرى سماح “
المعلم أحمد محفوظ باسعيدة ، يعمل في مجال البناء والمقاولات من العام 1975 م ، أستهجن في بداية حديثه ل (( الأيام )) عدم قيام إدارة الأشغال العامة بمهامها في منع رمي مخلفات البناء وسط مسيال جثمة ، موضحا أن من شأن تراكم تلك المخلفات ان تؤدي الى انحراف السيول باتجاه الساقية المتجهة إلى شارع دار الضيافة ، وأستذكر ما يعرف ب ، سيل السبع ، الذي أجتاح سيئون في خمسينات القرن المنصرم ودمر الكثير من البيوت ما استدعى من الدولة الكثيرية والحكومة البريطانية انذاك إلى الاستعانة بالخبرات المحلية في إقامة منظومة توزيع لمياه السيول الى ثلاثة إتجاهات للحد من خطورتها وهي المنظومة القائمة إلى اليوم عدا ان تراكم مخلفات البناء وسط مسيال جثمه من شأنه ان يعيق عمل هذه المنظومة وينذر بوقوع طوفان آخر على البيوت الواقعة بشارع الضيافة خاصة والشوارع الممتدة منه بشكل عام ،
ووقف ، باسعيدة ، على المخططات الجبلية العشوائية قائلا ” ان المجاري الطبيعية للسيول عادة تكون ،سماح، ( أي مستقيمة) وأي أنحراف للمجاري يحول تلك السيول إلى سيول جارفة وكما تحمل الحجارة من حوافها وتعمل بها كمعاول نحت وهدم لتلك المجاري مما يجعلها مجاري متدفقة بالسيول الجارفة وتتدفق إلى الساحات المأهولة بالبيوت العامرة وسط المدينة “
وذكر بواقعة شهيرة لجرف وهدم بيت جراء تدفق السيول في منطقة العصيدة التي نجم عنها هدم بيت ،دار بوشن، بحري مسجد بن موسى في العام 1982 م ومن ذلك التاريخ لم يسمح بصرف أي بيوت سكنية في المنحدرات الجبلية فيما تعرف بمنطقة ، العصيدة ، بحي الحوطة .
وأضاف ” اليوم المخططات العشوائية تجاوزت ، العصيدة ، بل واقتربت من سفح الجبل وباتت مجاري السيول من منطقة ، العصيدة ، تهدد بجرف الساحات المجاورة وخاصة الأدنى من ساحة ، العصيدة ، وهي ساحة قبة علوي وساحة مسجد جبران وما بعدها أيضا مهددة بطوفان السيول “.
موضحا ، ان هيئة الأراضي وعقارات الدولة طلبت منه في وقت سابق مشورة في امكانية صرف قطع أراضي سكنية لبعض المواطنين أسفل منحدر الجبل حيث مسجد ، الوالدين، وبيت يسلم مرزوق عاقل حي الوحدة ، ” كانت رؤيتنا تحذر من صرف أي قطعة أرض اسفل ذلك المنحدر حينها ، لكن اليوم وجدنا ان منحدر الجبل بكامله مزدحم بالبيوت والمخططات العشوائية وباتت ساحة الخليفة عمر بن الخطاب على سوية الأرض مهددة برمتها بتدفق مياه السيول ونسأل الله الحفظ والسلامة للسكان” .
” النكاسة أنموذج “
ويرى العمدة عوض عبدالله بحرق ، المدير العام السابق للبلديات بمحافظة حضرموت ( 1973 – 1990 م ) ان العمل الجاري في المخططات الجبلية العشوائية لأمر عظيم وجسيم تجاه التخطيط العام للمدينة وبيئتها وحمايتها من الكوارث الطبيعية مثل السيول الجارفة وكذا الانهيارات الصخرية ، متطرقا بإيجاز إلى أبرز الأضرار المترتبة على هذه المخططات الجبلية العشوائية وفي مقدمتها تغيير مسارات مجاري السيول والأمطار من المرتفعات إلى سوية الأرض وحتما سوف تهدد البيوت والتجمعات السكنية التي تشكل مركز المدينة وتهدد الحياة لساكنيها الآمنين أيضا ،
وقال ، بحرق ، ” مما نعرفه نحن عبر مسيرتنا الطويلة لنحو ثلاثين عام في المجالس البلدية والقروية والبلديات في الدولة الكثيرية وكذا الدولة القعيطية لم نرى ولم نسمح ولم يسمح أي كان بالبناء العشوائي على المرتفعات الجبلية المتاخمة للمدن والتجمعات السكنية بالطبع حرصا على المجاري الطبيعية للسيول بدرجة رئيسية ، إضافة إلى الحرص على إخلاقيات المجتمع الحضرمي وحرمة خصوصية الأسرة الحضرمية الآمنة في البيوت السكنية فيما يسمى ( الكشف ) الذي يحرم الأسرة من الإستفادة من اسطح وأحواش بيوتها التي تستخدمها الأسر الحضرمية عادة كمتنفسات لاسيما في فصل الصيف” .
وأردف ، ” ان المخططات الجبلية العشوائية من شأنها ان تهدد الأحياء السكنية القديمة ومركز المدينة عامة بسيول جارفة ودمار شامل لا يبقي ولا يذر في البيوت والأرواح وصيرورة الحياة الطبيعية من طرقات وخدمات في المدينة كليا “. دعيا إلى سرعة العمل على وضع المعالجات اللازمة وأولها تشكيل لجان فنية من ذوي الخبرة والنزاهة ولايكون فيها أي كان ممن شارك في إيجاد هذه المخططات العشوائية ويستحسن ان تكون اللجان من ، ( المعالمة) ، الذين لهم خبرات طويلة في تعيين مجاري السيول ،
وأستشهد ، بحرق ، بواقعة من سابق العهود بحضرموت على ما تحظى بها مجاري السيول من أهمية قصوى ووجودية لضمان وأمان الوحدات والتجمعات السكانية المأهولة وللحيلولة دون حدوث أي مخاطر قد تطالها من أي عبث أو سوء تقدير وهي الواقعة التاريخية الحديثة في عهد الدولة الكثيرية في مدينة سيئون حينما شرع أحد أكبر سلاطين الأسرة الحاكمة بتسوير مزرعته الشهيرة المسماة ، قادرية ، على ما تسمى ساقية البلاد سابقا ، شارع الجزائر والمقام عليها محطة المدينة للمحروقات اليوم ، فحينما تجاوز السور الحد المسموح به على مجرى السيل قوبل باعتراص مجلس البلدية في سيئون ، بيد ان السلطان المذكور لم يأبه لاعتراض البلدية وواصل بناء السور حتى ان مجلس البلدية والأهالي رفعا الإعتراص إلى ولي الأمر في البلاد وهو السلطان الحسين بن علي الكثيري وبدورة أصدر توجيهاته بإزالة السور المخالف ودون أي اعتبار لصلة القرابة والصفة التي يحملها السلطان المشار إليه وهو أبن عم السلطان نفسه والاعتبار وكل العناية للمصلحة العامة وإتقاء أي مخاطر قد تضيق مجرى السيل مما قد يهدد سلامة وأمان الوحدات والتجمعات السكنية للبلاد ، كما ذكر بحرق ،.
كما أفاد ان المخططات الجبلية العشوائية تضفي عبئا ثقيلا على موازنات الدولة وترفع كلفة توصيل الخدمات إليها من مياه وكهرباء وتلفون ومجاري الصرف الصحي وغيرها من المشاريع الخدمية العامة ، مستدلا بإحدى التجارب المماثلة في المملكة العربية السعودية نشأت أحياء عشوائية في مكة المكرمة معلقة في سفوح الجبال بمنطقة عشوائية متكاملة تسمى ( النكاسة ) أضطرت حكومة المملكة مؤخرا إلى هدم بيوتها العشوائية وإزالتها كليا وبالطبع هدرت الكثير من الأموال في سبيل إعادة البناء والتخطيط بما يجعلها تواكب العصر .
كارثة كل خمس سنوات
من جانبه مدير عام مشروع وادي حضرموت الدكتور محسن علوي السقاف يرى ان المشكلة تتمثل في التخطيط العشوائي والتي تطال مجاري السيول داخل المدن والأودية الرئيسية للوادي،
وقال، ان كارثة السيول التي اجتاحت وادي حضرموت في العام ٢٠٠٨ م كانت بسبب رمي مخلفات البناء في المجرى الرئيسي للوادي ( المسيال ) وبشكل ملفت في مجراه مقابل منطقة مدودة بمديرية سيئون وكذا منطقة ، حيد قاسم ، على مدخل مدينة تريم، فضلا عن سوء التخطيط في صرف الأراضي الزراعية علاوة على رمي نفايات القمامة بشكل عام من مديرية شبام حتى منطقة الجحيل بمديرية تريم .
وتابع ، المخططات في المنحدرات الجبلية بالتأكيد لها انعكاساتها السلبية وبخاصة وانها تتم بدون أي خطط مدروسة من الجهات المختصة وهي ،هيئة الموارد المائية ومكتب وزارة الزراعة والري والهيئة العامة للأراضي وعقارات الدولة، حيث أنه من المفترض ان تقوم هذه الجهات ، مجتمعة بالنظر في ملائمة المنطقة للمخططات السكنية ومراعاة مجاري السيول للحيلولة دون انجرافها خارج مساراتها الطبيعية .
وأضاف ، السقاف ، المشكلة اليوم قائمة ونشدد على ضرورة تشكيل لجان ترتكز على ذوي الخبرة من الشخصيات المجتمعية الوازنة والمشهود لها في هذا المجال ، إضافة إلى الجهات الحكومية ممثلة بهيئة الموارد المائية ومكتب وزارة الزراعة والري والهيئة العامة للأراضي وعقارات الدولة، وإدارة الأشغال العامة . على ان تباشر مهامها على وجه السرعة في معاينة الاشكالات القائمة في مجاري السيول وتقرر المعالجات اللازمة ولو استدعى إزالة بيوت قائمة على مجاري السيول وبالطبع تتولى السلطة المحلية تنفيذ توصياتها وقراراتها .
كما نوه ، السقاف ، إلى اشكالية جسيمة حيال المجرى الرئيسي لوادي حضرموت تتمثل في تحويل الأراضي الزراعية المصروفة بعقود انتفاع زراعية من الدولة إلى مخططات سكنية وأحواش ومنشآت تستخدم لاغراض غير زراعية فأن لذلك الأمر مخاطر جسيمة في إعاقة أستيعاب مياه الأمطار مما يحولها إلى سيول جارفة وتؤدي إلى كوارث طبيعية لامحالة على غرار كارثة العام ٢٠٠٨ م . مشيرا إلى ان معدل الهطول المطري للهضبة الجنوبية 125 ملم بينما للهضبة الشمالية 50 ملم فقط ،في الظروف الاعتيادية، بيد ان وادي حضرموت يتعرض لمنخفضات جوية ترفع متوسط الهطول للامطار إلى أكثر من الضعف ، وبحسب الدراسات السابقة تحدث سيول كبيرة بعد كل 5 سنوات..

هذا ويجمع الخبراء وأهل الاختصاص على ان الحلول والمعالجات للمخططات الجبلية العشوائية تكاد تكون مستعصية بل ويرون بأن صلاحيات وضع الحلول في بعضها قد تتجاوز السلطات المحلية لأن مجاري السيول بنيت عليها بيوت سكنية وان كانت عشوائية غير أنها باتت مأهولة بأسر فقيرة وتستدعي هذه الاشكاليات لجنة عليا من مجلس الوزراء أو أعلى منها ، بيد أنه مما يمكن ان يقع ضمن صلاحيات السلطات المحلية بل ومسؤولياتها هي البدء بشكل عاجل بإيقاف الصرف للأراضي على المنحدرات الجبلية كليا ، وتوقيف البناء في البيوت قيد الإنشاء ، والقيام بتحديد المجاري الطبيعية المتبقية وترميمها ، وتحديد المجاري الطبيعية التي تعرضت للهدم والانحراف لمجاريها والنظر في وضع المعالجات لها بالاستعانة بأهل الخبرة من قدماء المعالمة والمهندسين المتخصصين ، بالإضافة إلى رفع محاضرها إلى الجهات العليا للنظر والتوجيه بمعالجاتها كونها هي ” أي الجهات العليا ” المتسبب الأول في الكارثة الوشيكة التي أطبقت على مدينة سيئون جراء الأهمال .

المركز الوطتي لعلاج الأورام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى