المقالات

إفتكار مانع : التمدد الروسي في المنطقة.. بين الواقع والخيال

القرار الروسي بالتواجد في سوريا عسكريا بشكل دائم يرى فيه الكثيرون تجسيدا للطموحات الروسية باستعادة دورها كدولة عظمى والتحول إلى وضع شبيه بما كان عليه الحال في الحقبة السوفياتية من خلال توسيع تواجدها الجغرافي في مواجهة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، لكن هذا قد يصطدم مع القدرات الاقتصادية لروسيا التي تعاني ضائقة مالية.

فقد صادق مجلس النواب الروسي (الدوما) في جلسة 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري على نشر وحدات من القوات الجوية الروسية على أراضي سوريا بشكل دائم، وذلك بناء على اتفاق بين موسكو ودمشق، مع وجود إشارات قوية لسعي روسيا إقامة قواعد عسكرية لها في مصر.

القواعد العسكرية
يأتي هذا ليضاف إلى شبكة القواعد العسكرية الروسية المتواجدة في مناطق متعددة من الفضاء السوفياتي وخارجه:

ففي أبخازيا توجد قاعدة روسية أقيمت بعد الحرب الجورجية الأبخازية، وفي أرمينيا قاعدة مقامة منذ عام 1995 بقوة عسكرية قوامها خمسة آلاف جندي، وفي روسيا البيضاء توجد محطة “فولغا” للإنذار المبكر، ومحطة اتصالات “فيليكا” المرتبطة بمقر قيادة البحرية الروسية وسلاح الغواصات النووية.

وفي كزاخستان توجد قاعدة بايكانور، حيث مركز إطلاق المركبات الفضائية وحقل اختبار المضادات الإستراتيجية، وفي قيرغيزيا قاعدة جوية ومركز رادار واتصال، بالإضافة إلى قواعد في طاجيكستان ومولدافيا وأوسيتيا الجنوبية.

وفي خارج روسيا هناك قاعدتا حميميم وطرطوس في سوريا، وقاعدة كمران البحرية بفيتنام منذ عام 2013

أولوية أمنية
ويرى مستشار الأمن بمجلس الدوما الروسي ألكسي بلوتنيكوف أن قرار إعادة تشغيل قاعدة طرطوس البحرية في سوريا قرار إستراتيجي لحماية أمن ومصالح روسيا في منطقة الشرق الأوسط، ولمواجهة محاولات الغرب للهيمنة على المنطقة.

وزاد بلوتنيكوف أن القرار جاء متأخرا نظرا لأن حماية الأمن الروسي في ظل تواجد قوات الناتو على تخومنا منذ سنوات عدة كانت تحتم علينا القيام بذلك.

وقال بلوتنيكوف في حديثه للجزيرة نت إن روسيا تفكر جديا باستعادة القواعد العسكرية في “لوردس” بكوبا، بالإضافة إلى إقامة قاعدة في مصر، موضحا أنه على الرغم من الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به روسيا يبقى ضمان الأمن أولوية إستراتيجية، في حين أن الصعوبات الاقتصادية أمر عرضي ومتغير.

وأضاف أن روسيا تسعى لاستعادة مكانة الاتحاد السوفياتي السابق في تقرير شكل النظام العالمي وطبيعته، ولن تسمح لنفسها بالعودة إلى حقبة تسعينيات القرن الماضي عندما استفردت الولايات المتحدة بمصير العالم، وهذا يتطلب امتلاك روسيا أذرعا طويلة لحماية مصالحها ومصالح حلفائها.

وأوضح بلوتنيكوف أن تصعيد الولايات المتحدة سياساتها “العدوانية” ضد روسيا بفرض عقوبات اقتصادية وسياسية ما هو إلا حلقة من سلسلة حلقات لإضعافها وعزلها، وهذا الأمر سيتواصل في جميع الأحوال، نظرا لأن حجة الاختلاف الأيديولوجي قد سقطت بانهيار الاتحاد السوفياتي، وثبت بالدليل أن المستهدف هو روسيا كقوة عظمى وليست الأيديولوجيا الشيوعية كما صورت البروباغاندا (الدعاية الإعلامية) الأميركية، وفق تعبيره.

عبء اقتصادي
في حين يرى المعارض الروسي سيرغي دافيديس أن قرار إحياء قاعدة طرطوس يشكل ورقة ضغط تكتيكية للعب مع التحالف الدولي في منطقة الشرق الأوسط، في ظل إصرار القيادة الروسية على الوقوف إلى جانب النظام السوري.

ولإيضاح الفكرة أعاد دافيديس إلى الأذهان إعلان موسكو عن سحب طائراتها قبل نحو ثلاثة أشهر ليعود مجددا ويخوض معركة تطويع المعارضة السورية والقيام بتدمير ممنهج للمدن السورية وإعادة تسليمها للنظام، وهذا يدلل على التخبط وعدم امتلاك إستراتيجية واضحة، فهو كمن يمارس القمار مع الغرب ولا يستطيع أن يتوقف.

واعتبر دافيديس في حديثه للجزيرة نت أن الوضع الاقتصادي الروسي لا يسمح بتحمل تكاليف تشغيل قواعد عسكرية في الخارج، وما هي إلا محاولة لإيهام الرأي العام الروسي بعظمة روسيا، في حين أن المواطن الروسي يئن تحت وطأة الظروف الاقتصادية السيئة.

وأشار إلى أن تكلفة مشاركة القوات الروسية في الحرب الدائرة بسوريا عالية وليس كما يصورها الإعلام الرسمي، ناهيك عن تكاليف دعم الانفصالين في أوكرانيا وأبخازيا ومولدافيا.

أما المعارض السياسي الديمقراطي بافل شيلكوفي فيرى في حوار موجز أن مثل هذه القرارات تزيد من استفحال الأزمة الاقتصادية، فبدلا من توجيه الأموال للنهوض باقتصاد البلاد تتوجه سلطة الكرملين إلى مزيد من إهدار الأموال في سبيل شعور كاذب بالعظمة.

وأضاف أن القوة الحقيقية لا تكتمل بالقدرات العسكرية وحدها من دون أن تكون القدرة الاقتصادية داعمة ومساندة لها.

المركز الوطتي لعلاج الأورام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى