المقالات

ياسرأمان : مظاهرات مسلمي إثيوبيا: محنة عمرها 1000 عام . المقال (3)

البُعد الإسلامي المسكوت عنه
الظلم الاجتماعي والاقتصادي الواسع في إثيوبيا حقيقة لا شك فيها، بشهادة أرقام البنك الدولي والوكالات الدولية المتخصصة؛لكنه أشد قسوة من نظائره في مجتمعات أخرى، لأنه ليس مجرد نهب طبقي وإنما هو ظلم متعمد يخفي حقداً دينياً دفيناً، أججه الصهاينة حديثاً والصليبيون من قبل ومن بعد.
ولا تنجلي أبعاده الكبرى إلا باستعادة مكثفة لقصة الإسلام في الحبشة،  وهي قصة يجهلها أكثر المسلمين-بكل أسف-.
عُرفت بلاد الحبشة قديمًا ببلاد كوش،  وعرفها العرب باسم الحبشة-ومعناه: الخليط البشري- وأُطلق عليها حديثًا إثيوبيا،  ومعناها الوجه المحروق عند الإغريق،  وتضم منطقة الحبشة إثيوبيا وجيرانها من الشعوب التي استولت عليها،  وهي إرتريا وأوغادين.

تمثل أول وصول إلى الحبشة في عدد صغير من المهاجرين من الصحابة -رضوان الله عليهم- في العام الخامس من البعثة النبوية،  ولقد اختيرت الحبشة لأسباب عديدة،  منها عدل حاكمها،  ومنها الجوار الجغرافي،  وصلة القربى بها. وكان هذا الوصول هجرة عادت بعد تغيير أسبابها،  غير أن الوصول الفعلي للإسلام إلى الحبشة جاء عن طريق محورين رئيسيين: أولهما محور بحري من بلاد العرب عبر البحر الأحمر ومضيق عدن،  فبعد أن استقر الإسلام بجزيرة العرب نقلت الدعوة خارج الجزيرة،  ففي سنة عشرين هجرية أرسل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- سرية بحرية لتأديب قراصنة البحر الأحمر من الأحباش،  ورغم عدم توفيق هذه السرية،  إلا أن الدولة الأموية أرسلت قوات بحرية سيطرت على جزر دهلك قرب الشاطئ الإرتري،  واتخذت الدعوة الإسلامية طرق التجارة،  فانتشرت تحت جناح السلم.

وظهرت جاليات عربية مسلمة في مدن الساحل،  مثل: باضع،  وزيلع،  وبربرة،  وبدأ نفوذ الدعوة ينتقل إلى الداخل في السهول الساحلية،  وفي صلب الحبشة،  وما إن حل القرن الثالث الهجري حتى ظهرت إمارات إسلامية في النطاقين الشرقي،  والجنوبي الشرقي من الحبشة،  ودعم هذا الوجود الإسلامي،  هجرة بعض الجماعات العربية. وزاد اعتناق أبناء البلاد للإسلام،  فظهرت سبع إمارات إسلامية في شرقي الحبشة وجنوبها،  فكانت إمارة شوا الإسلامية سابقة عليها جميعًا،  وتأسست شوا على أيدي نسل (هشام المخزومي)،  وكشفت عنها الوثيقة التي اكتشفها المستشرق الإيطالي (شيرولي)،  ونشرها في سنة 1355هـ – 1936م،  واستمرت هذه الإمارة من القرن الثالث وحتى نهاية القرن السابع،  وإليها يعود الفضل في وصول الإسلام إلى قلب هضبة الحبشة،  لذلك كانت هذه الإمارة في عزلة عن العالم الخارجي.

ولما ضعفت في أواخر أيامها برزت إمارات أخرى،  ولقد مدت إمارة شوا الدعوة إلى حوض النيل الأزرق،  وورثت دولة أوفات إمارة شوا،  ولقد برزت أوفات كأقوى الإمارات الإسلامية السبع بالحبشة،  وهي: دوارو،  واربديني،  وهدية،  وشرخا،  وبالي ودارة.. ولو أتيح لهذه الإمارات الاتحاد لتغير وجه تاريخ الحبشة،  غير أن التفكك والضعف جعلها تخضع لملوك الحبشة،  وأمام التحديات ظهر حلف إسلامي من الإمارات السابقة،  وجند له ملوك الحبشة،  فلقد قضي الإمبراطور (عمد أصيون) على دولة أوفات،  في سنة 729هـ،  وأسفرت الاشتباكات عن عقد هدنة مع التحالف الإسلامي،  بعد تدخل المماليك وهددوا ملوك الحبشة،  ولم تدم الهدنة طويلًا،  واشتد الصراع مرة أخرى،  خصوصًا بعد عقد مؤتمر فلورنسا بين الكنيسة الغربية والكنيسة الشرقية في سنة 857هـ – 1453م،  وحضره مندوب عن الحبشة.

وتكرر الصراع عدة مرات،  وقامت إمارات أخرى في غمرة هذا الصراع،  وبرزت من بينها إمارة عدل الإسلامية،  ثم إمارة هرر،  ولما ضعفت حركة المقاومة،  قاد الأئمة الجهاد ضد الأحباش،  وظهر الشيخ أبو عبد الله الزيلعي وجمال الدين عبد الله بن يوسف،  ثم برز الإمام أحمد بن إبراهيم،  والذي لقب (الجري) أي (الأشول)،  وخاض غمار حرب عاتية،  استولى فيها على مناطق عديدة من الحبشة،  فبحلول سنة 942هـ – 1535م،  كان قد استولى على وسط الحبشة وجنوبها،  ثم استولى على عاصمة الحبشة،  وطارد ملكها،  الذي استعان بالصليبيين،  وكان ملوك الحبشة على صلة بهم منذ الحروب الصليبية بالشام،  وكانت الاتصالات تتم عن طريق دير حبشي في بيت المقدس،  وبعد هزيمة الصليبيين في الشام وفد عدد من جواسيسهم على البلاد الإسلامية،  في محاولات للاتصال بملوك الحبشة،  تمهيدًا لعودة الحروب الصليبية،  وأسفرت الاتصالات عن تكوين حلف صليبي،  لعب البرتغاليون فيه دورًا رئيسيًا.

ولقد تدخل البرتغاليون في الحرب الدائرة بين الإمام أحمد (الجري) والحبشة،  فوصلوا إلى ميناء مصوع في 948هـ – 1541م،  وأخذوا في شق طريقهم نحو الداخل بمعاونة أمراء الحبشة،  ونتيجة لهذا التحالف هزم الإمام أحمد في سنة (950هـ)،  ثم استعان الإمام أحمد بالأتراك العثمانيين،  فأرسلوا إليه نجدة من 900 جندي،  وأحرز انتصارًا على التحالف الحبشي البرتغالي،  ولكنه أخطأ في إعادة الأتراك إلى بلادهم،  وأتى غزو الإمام أحمد بنتائج عظيمة لانتشار الإسلام في وسط الحبشة وفي سائر أنحائها،  ومن أبرز هذه النتائج انتشار الإسلام بين قبائل الجلا،  أورومو،  وهكذا كانت ثمار المحور البحري الذي نقل الإسلام من جزيرة العرب إلى الحبشة.

 

 

 

 

 

المركز الوطتي لعلاج الأورام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى