المقالات

الاقتصاد أولاً من أجل الوصول إلى سلام مستدام

مهمتي الأساسية هي القول إن الاقتصاد هو القضية الأولى التي يجب التركيز عليها، فكما قال الرئيس كلينتون في حملته الانتخابية “إنه الاقتصاد – أيها الغبي”.

ولكنني سعيد أن الكل متفق بأن الاقتصاد هي القضية التي بجب أن ننظر إليها، وأن أهم محركات النزاع، سواء ما قبل الحرب الحالية، أو أثناء هذه الحرب هو المعدلات العالية للفقر في اليمن والتي كانت تصل إلى 50 % من السكان قبل بدء الحرب.

هذا الفقر وعدم توفر فرص العمل المنتجة بشكل كافٍ في أي من القطاعات الاقتصادية في اليمن يشكل بيئة خصبة لاستمرار النزاع مرة بعد أخرى.

وكما تعلمون فإن هذا النزاع الدائر ليس هو الأول في اليمن بالطبع، ولكنه الأطول والأسوأ والأكثر تدميراً منذ عقود في اليمن.

وعندما ننظر إلى نتائج هذه الحرب في اليمن، نلاحظ التأثير المدمر على الأوضاع الاقتصادية، فقد ارتفعت نسبة الفقر من 50 % إلى 80 %، وانكمش الناتج المحلي إلى النصف، وفقدت الأعمال في كل القطاعات حيث إن نسبة كبيرة من العاملين في القطاع العام الحكومي انقطعت الرواتب عنهم لفترة تتراوح ما بين 2.5 إلى 3 أعوام، وأغلقت حوالى 25% من منشآت وشركات القطاع الخاص أبوابها وفقا لآخر تقرير للبنك الدولي، فيما انكمشت 50% منها، وإذا نظرنا إلى القطاع الزراعي وهو المشغل الرئيسي في اليمن، فقد انخفضت فرص العمل فيه بنسبة 50%.

وبالنسبة للمواطن اليمن، فقد تأثر من جانبين:

ففي الجانب الأول هناك فقدان لمصادر الدخل، كما أسلفت. وفي الجانب الآخر هناك ارتفاع صاروخي في الأسعار والتضخم، والذي نتج، كما قال السيد مارك لوكوك وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، من جراء تدهور سعر العملة، فمثلا أسعار المواد الغذائية ارتفعت بمعدل يزيد عن 100%، والوقود ارتفع بمعدل 200%. هذا هو تأثير الحرب على معيشة المواطن اليمني.

هناك قضية أريد أن أنبه إليها بالتوازي مع حديثي السابق، وهي قضية اقتصاد الحرب الذي خلق في ظروف الحرب، فهناك العديد من تجار الحروب الذين أثروا ثراء فاحشا من جراء هذه الحرب من كافة أطراف الحرب، وهذه هي إحدى التحديات التي يواجهها خلق السلام أو احتمالات تحقيقه، وبدون التصدي لاقتصاد الحرب، ووقف تجاوزات الحرب الاقتصادية التي يستخدمها الطرفان لتحقيق اهدافهما السياسية، والتركيز على تخفيف ومعالجة آثار الحرب على الاقتصاد، فإن احتمالات السلام تبدو بعيدة.

إن اتفاقيات السلام على مدى الثلاثة العقود الماضية على الأقل بدءاً من اتفاق الوحدة في عام 1990م ووثيقة العهد والاتفاق في عام 1994م وصولا إلى المبادرة الخليجية في عام 2011م، كان هناك عاملان مشتركان بين كل تلك الاتفاقات: العامل الأول أنها كلها قد أخفقت أو فشلت في تحقيق أي شكل من أشكال السلام المستدام، والعامل الثاني أن أياً منها لم يتضمن معالجة الجوانب الاقتصادية بالشكل الكافي.

وبالتالي اقتصرت هذه الاتفاقيات على كونها صفقات لتقاسم السلطة والثروة من قبل النخب السياسية، ولكن الناس والمواطنين لم يلمسوا منها شيئا، وحتى اتفاق الرياض الأخير، فقد أشار على استحياء إلى الجانب الاقتصادي دون إيلائه الحيز الكافي.

وأحب أن أشير إلى ما قاله السيد مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا في الجلسة الافتتاحية لمنتدى الدوحة، عن ضرورة الانتقال من سياسات إفقار الجيران إلى سياسات الازدهار المشترك للجيران. وهذه هي النقطة التي أريد أن أركز عليها لمن يبحثون عن السلام في المنطقة أكانوا من دول الإقليم أو الشركاء الدوليين:

لنفكر معاً في بناء السلام الذي يحقق مصالح الناس والذي يركز على المكونات الاقتصادية، ولنفكر في كيفية ادماج الاقتصاد اليمني مع الاقتصاد الإقليمي الأوسع، والذي سيبني حوافز للناس لاستمرار السلام، بدلا من اقتصار التفكير إلى الآن على إيجاد معادلة لإرضاء مصالح النخب والتي لا يهمها سوى البقاء في السلطة لأطول فترة وسيجدون دائما أسباباً عديدة للاختلاف.

هذا هو الجانب المفقود الذي يجب أن نركز عليه إذا أردنا الوصول إلى السلام المستدام.

والسؤال هو كيف يمكن تسريع إعادة بناء الاقتصاد اليمني بعد الحرب؟

وهذا هو الذي يجب أن نبدأ التفكير فيه وخاصة مع دول الإقليم، لأن دول الإقليم هي الشريك الأساسي عندما نبدأ مرحلة التعافي وإعادة الإعمار في مجال التمويل والتكامل، ليس هذا وليد اللحظة وإنما على مر العقدين السابقين على الأقل كانت دول الإقليم هي الممولة الرئيسية لأي خطط تنموية أو إنسانية في اليمن.

ولهذا يجب أن نبحث عن الرؤية والخطة ومشاريع التكامل الاقتصادي المشتركة – شيء مشابه لخطة مارشال في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، نحتاج إلى رؤية للشراكة مع الإقليم بحيث نصل إلى مخرج مناسب للكل يحقق استقرار لليمن والإقليم.

* من صفحة الكاتب رأفت علي الأكحلي

المركز الوطتي لعلاج الأورام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى