منوعات

ماذا لو أُصيب الطبيب المعالج للسرطان بالمرض؟!

صدى الوادي – منوعات

sport_1456562736جميل أن يُمارس الطبيب المعالج لمرض السرطان دوره كرسولٍ أمين لمهنته, فيقضي أغلب وقته في غرف المرضى بين الأسرّة البيضاء يؤدي دوره الوظيفي, وكذلك الإنساني حيث يهّون عليهم وطأة الألم, ويسمع لنبضات قلوبهم التي امتزجت بالخوف من القادم القريب للموت, لكن ماذا لو أصبح هذا الطبيب صديقاً للمريض في مرضه ؟! من سيِقف بجانبه حينئذ ؟! وكيف سينظر إلى مهنته بعدما أصبح مريضاً يُداوي به غيره ؟!.

الطبيب لؤي الخالدي المتخصص في جراحة القلب والجراحة العامة, ظلّ يؤدي وظيفته المهنية والانسانية تجاه مرضاه طوال عشرين عاماً ومازال, وكان يعمل في مجال استئصال الأورام يقول لـ”فلسطين”: “لم أمارس في يومٍ من الأيام وظيفتي المهنية بعيداً عن دوري الإنساني مع المرضى, فكنت أتواصل معهم بشكلٍ مستمر وأخفف عنهم صدمة الإصابة بمرض السرطان وأنصحهم بما يجب اتباعه لتفادي أضراره الصحية قدر الإمكان”.

وأضاف: “لقد كنت أعي تماماً بحُكم تخصصي ماذا يعني أن تكون مريضاً بالسرطان؟, لكني لم أُسرب للحظة اليأس ولا الاستسلام لقلوب المرضى, فهم أمانة ونحن أصحاب رسالة يجب تأديتها على أكمل وجه بجانبيها الوظيفي والإنساني”.

  • صدمة ثم ابتلاء

الخالدي لم يخطر بباله قط أن يُصبح مريضاً بهذا المرض, فكيف لطبيبٍ أن يُصاب بما يُعالج به الآخرين؟! لكنه اكتشف قبل ثمانية أشهر خلال اجازة عمل أنه أصبح صديقاً لمرضى السرطان في غزة.

وعن شعوره يُحدثنا: “كانت المؤشرات تدل على اصابتي بمرض سرطان الدم, وخلال 24 ساعة تيقنت من ذلك, الحقيقة أن الخبر كان بمثابة الصدمة في البداية, ثم شيئا فشيئا أصبح الأمر بالنسبة لي ابتلاء من الله لي ولعائلتي”.

نظرة الطبيب للموت والحياة تختلف نسبياً عن نظرة الإنسان العادي , فالأول بحكم عمله يرى الموت كل لحظة , لكن هل التعود على هذا الشيء يؤثر سلباً على العمل؟! يُجيب الخالدي: “لا بالتأكيد أرواح الناس أمانة في أعناقنا , لكن نظرتي الشخصية فأنا لدي قناعة أن الموت يأتي حين ينتهى الأجل وليس بسبب المرض وإن كان أحد الأسباب”.

  • أسلوب التعامل يتغير

وأضاف: “الطبيب يُعامل المريض كمريض, لكن حين يتجرع الألم يُصبح التعامل مختلفاً بأسلوب انسان مريض , وليس مريضا فقط “, مضيفاً: “قبولي نحو العمل أصبح مضاعفاً عما سبق , رغم تراجع عملي بشكلٍ كبير بسبب فترة العلاج وما يتبعها من متابعة وفترة نقاهة, إلا أن العطاء لا يتأثر إلا في فترة العلاج فقط بعد ذلك أجتهد لأبقى على رأس عملي”.

وفي سؤالي عن موقفٍ أضعفه خلال فترة المرض تنهد ثم قال: “في أول جرعة لي نحل شعري ولحيتي, لم أتأثر كثيراً لكن حين عُدت إلى البيت ابني الذي يبلغ من العمر عامين لم يعرفني وخاف مني, هنا تألمت كثيراً وشعرت بغصّة كبيرة. الحمد لله على كل حال”.

  • القوة نصف العلاج

وكانت طبيبة النساء والولادة المرحومة فريال البنا نموذجاً للأطباء الذين أصيبوا بأمراض كانوا يعالجونها، حيث حملت على عاتقها الدور التوعوي لحماية المرأة من سرطان الثدي وقامت بالعديد من النشاطات والحملات في هذا المجال.

تقول ابنتها سمر الأغا لـ”فلسطين”: “أمي رحمها الله أفنت حياتها وهي تعمل من أجل صحة المرأة وحمايتها من سرطان الثدي حيث كانت تعمل في اتجاهين الدور الوظيفي كمتخصصة نساء وولادة والاتجاه الثاني تقديم خدمة توعية للمرأة”.

ظلّت تعمل في هذا المجال لما يتجاوز الـ32 عاماً, حتى أُصيب قبل وفاتها بسنة ونيّف بمرض سرطان الثدي لكنها لم تضعف أمام المرض وظهرت قوية لكل من حولها بحسب ما تقول ابنتها: “نحن تأثرنا بمرضها وضعفنا, وهي لم تُبدِ لنا أي شعور بالضعف أو الاستسلام بل كانت تُباشر عملها على أكمل وجه, وواصلت خدمتها التوعوية وبقيت تسعى لإنشاء قسمٍ خاص للاكتشاف المبكر عن سرطان الثدي في مجمع الشفاء الطبي”.

  • الطب رسالة

وبعدما تم استئصال الورم تفاءلت عائلة المرحومة بأن هذه المرحلة قد انتهت, وأن الحياة عادت من جديد تدب في عروقهم, لكنهم تفاجؤوا بعودته مجدداً لها وهي كما هي امرأة قوية لم تُظهر في يومٍ ما إحساساً بالضعف والاستسلام.

وفي سؤالي عن تأثير المرض على عملها خلال فترة مرضها تُجيب ابنتها سمر: “لم يؤثر البتة على عملها, بل واصلت بدافعية واقبال أكبر وحتى آخر أيامها في الحياة كانت تداوم بشكلٍ طبيعي في عيادتها الخاصة رغم أن المرض في تلك المرحلة قد أنهكها”.

رحلت د. البنا عن الحياة بعد سنة وثلاثة أشهر من إصابتها بالمرض وبقيت قوة شخصيتها, وثباتها على مواصلة العمل بما تؤمن به حاضرة في تفاصيل عائلتها من بعدها، حيث تقول سمر في ذلك: “أمي لم تكن انسانة عادية , كل لحظة من عمرها كانت تعرف كيف تُسخرها وأين؟, وقوتها على مواجهة المرض كانت نابعة من ايمانها العميق بأن الضعف لن يُحزر شيئاً ايجابياً”.

*كتب /  آلاء المقيد

المركز الوطتي لعلاج الأورام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى