المقالات

كورونا .. ومحاسبة النفس

.. بقلم/ عمر عليو

عندما ظهر الإنسان المعاصر في أوج حضارته، وبدأت الدول في تحدّيات داخلية وخارجية في الصناعات والاختراعات، وكثر الظلم والاضطهاد من القويّ للضعيف، ظهر لهم فجأة ما يُسمى: بــ (كورونا) الذي أرعب العالَم، وعزل الدول عن بعضها، والمدن عن القرى، وأوقف حركة المطارات ووسائل التنقل، وعطّل الكثير من المصانع والشركات، وألزم الناس على المكوث داخل مساكنهم.

وتُعتبر هذه الكارثة -سواءً كانت بإرادة البشر أو خارجة عن إرادتهم- إحدى الرسائل الإلهية للبشرية جميعًا، لكي يعرف كل شخص قَدْره وضعْفه، ولكي يكفَّ الإنسان عن الاضطهاد والقتل الحاصل بأبشع الصور تجاه أَخوه الإنسان، بدون مراعاة منه لأعراف ولا إنسانية ولا حتى ديانات أو أعراق، إنما تحكمهم المصالح والماديات المشتركة.

كما أن هذه الكارثة رسالة سماوية لأهل الأرض لمحاسبة أنفسهم عن التقصير الحاصل في كافة مناحي الحياة: دينيًّا، وأسريًّا، واجتماعيًّا، حتى وجدنا في هذا الكون من يفتخر بالانسلاخ من كل الديانات لكي يصير أسيرًا لشهوته المادية أو الجسدية، وفئات أخرى في هذا العالم قطعت العلاقات الأُسرية والأخوية بين الأهل والجيران وقطّعت الأرحام، حتى اشتعلت بينهم الحروب بأنواعها بسبب التهافت والتكاثر على المتاع الزائل، فتفكّكت العلائق العائلية، وأصبحت المجتمعات تعيش في غُربة عن بعضها البعض.

والذي يتأمل فيما حوله -وقد أصبحت الكُرة الأرضية بفعل وسائل التواصل والتكنولوجيا كأنها قرية واحدة- فإن المتأمل يجد الكثير والكثير من التناقضات والمخالفات الفطرية، التي يحاول أربابها تغيير الإرادة الكونية، التي خلق الله الإنسان عليها، مع أن البشر قد تلقُّوا الكثير من النُّذر والتحذيرات سابقًا وحاضرًا، ولكن لا يوجد من يعتبر ويتفكّر في جنود الله ورسله لتصحيح انحراف البشرية إلا من رحم الله، وقليل ما هم.

من أجل كل ذلك وغيره حانت الساعة الحاسمة، وظهر النذير الفيروسي الصغير، فلم يبقَ أمام العالَم الغربي والشرقي إلا مراجعة التعاليم الربانية والاعتراف بالعجز البشري أمام أصغر مخلوقات الله جلَّ في علاه.
فظهرت التعليمات والمناشدات الوقائية عبر كافة الوسائل الفضائية، وبواسطة أشهر منظمات الصحة العالمية، ونادى الأطباء والعلماء والرؤساء وكافة البشر، بالاهتمام بالنظافة الجسدية الشخصية، والإرشاد لطرق التعقيم لكل ما يستخدمه الإنسان من حوله، والابتعاد عن فرط المخالطة والمجالسة والملامسة للأشياء بدون حاجة ضرورية.

والناظر في تعاليم الدين الإسلامي السمحة، يجد أنه قد أمر بهذه الأمور منذ عقود من الزمان، ولكن الناس في غفلة عن ذلك، وقد آن الأوان للبشرية أن يحاسبوا أنفسهم، ويراجعوا التراث الإسلامي الصحيح في جميع مناحي الحياة، وحينئذ سيجدون أن هذا الدين هو المنقذ للبشرية مما هي فيه من انحرافات فكرية وعقدية وصحية واجتماعية واقتصادية على مدار التاريخ.

فعلينا جميعًا كما أننا استسلمنا أمام هذا الوباء، أن نستسلم لرب الأرض والسماء، في تصحيح العقائد والعبادات والعلاقات العائلية، ويرفع البشر عن بعضهم البعض المظالم، ويؤدون الحقوق لأصحابها، وينشرون الرحمة والمحبة والإيثار والنصيحة فيما بينهم.

فإذا علم الله صدق التوجه والانقياد، فإنه يأذن بمشيئته ورحمته برفع هذا الرهاب الكبير والداء الخطير، الذي خلَّفه هذا الوباء في جميع أنحاء العالم، وتكون الأرض عند ذاك قد تطهّرت واغتسلت من رجس الأمراض الحسية والمعنوية، وفتحتْ للبشرية صفحة جديدة مليئة بالتعايش والنشاط والحيوية.

ونسأل الله أن يُعجِّل بذلك وأن يردَّنا إليه ردًّا جميلاً، وأن يجعل في مثل هذه الرسائل الربانية عودة للبشرية إلى الدين الحنيف، القائم على العدل والرحمة والسلام والأمان، والطهارة الروحية والجسدية، وبالله التوفيق.

المركز الوطتي لعلاج الأورام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى