المقالات

إلى ملاك تعز …. نحن اموات قبلك بلا قبر ..

1-1

وليد التميمي ..

fكيت وأنا أتابع قصة استشهاد طفل تعز فريد، بكيت دموعاً ودم، لم أبكي على فريد وحده لأنه فريد الذي صرخ بملئ فمه وهو يحتضر لا (تقبرونيش)، بكيت على أطفالنا جميعا الذين سحقوا في هذه الحرب. على احلامنا التي وئدت وهي في مهدها. على أرواحنا التي انطفئت وهي لم تتذوق طعم الحياة بعد .

تسألوني لماذا تحزن كل هذا الحزن على فريد تعز؟، أقول لكم لأنه (فريد)، نعم، من منا لم يحلم يوما بإنجاب مثل هذا الملاك الطاهر، الذي أرانا كم نحن صغاراً، وهو كبير، حتى في لحظة مواجهته للموت قال ما يريد.. وهو يصرخ ويتألم ويكرر لا (تقبرونيش) نطق بما تهذي به الستنا في سرنا وعزلتنا جميعا، من منا لا يحب الحياة ويتشبت بأهدابها لاخر لحظات العمر، حتى أؤلئك اللذين يقتلونا ليل نهار، ويصدرون لنا الموت ضمن قائمة وجباتهم المجانية، يتخلصون منا فرادا وجماعات لأنهم يريدون الحياة من دوننا، وامتلاك خيرات الأرض بما رحبت لوحدهم من غيرنا بسم الدفاع عن الوطن ونصرة الدين..!

فريد لخص مأساة وطن بكلمة واحدة ورحل، صدى صوته ما زال يلاحقني مثل ظلي في حركتي ويطاردني في احلامي المزعجة اثناء اليقظة والمنام، بكائه ونحيبه أفقدني بوصلة التفكير وعصف بكياني وكيان أمثالي ممن ينتظر كل يوم نهاية وشيكة كنهاية الملاك فريد، الذي قال كلمته وذوى نجمه في مرقده الأخير، أتعرفون لماذا لأن القدر لم يشاء لفريد أن يلوث بما نقترفه من مأثم وذنوب أوصلتنا لما نحن فيه اليوم .

ورغم كل النكبات والفواجع والكوارث، سنظل كعادتنا صامتين نخاتل الليل الطويل، وبالكاد نرقد إلى جانب فريد على استحياء ووجل، لنوشش في أذنيه الناعمتين، ونقول له بهمس خافت: لقد دفنوا قبلك ياولدي وطنا بأكمله، شيعناه نحن معهم بأيدينا، واهلنا عليه التراب، ونحن نضحك ونبتسم، تنازلنا عن بقايا كرامتنا وقيمنا، غيرنا مبادئنا بالتقسيط. بعنا ضمائرنا وطبعنا سلوكنا بالنفاق والخداع والغش والكذب فقط لنعيش كالدواب وأفراد القطيع.

لكن عمق المأساة لا تقف عند حدود لحدك الحي، ولا سقطاتنا الإخلاقية المتكررة.. أنها تتخطى كل متعرجات الجغرافيا، وصفحات التاريخ، وتنتهي تحت أقدام من قتلوك وذبحونا قبلك مرات ومرات، من تناوبوا على كل شيء لنا وفينا.. دمنا ولحمنا، عرقنا وشقائنا، ثرواتنا وحقوقنا، أملاكنا وأموالنا، وعندما اختلفوا كنا نحن أيضا في خندق عملياتهم الحسابية البسيطة.. رقم هزيل قابل للقسمة والطرح والضرب والجمع وغيرها من المعادلات الرياضية التي تبسط نفوذهم وتضخم أرصدتهم البنكية.

(فريد أيها الساكن فينا أتعلم ماذا فعلت بكلماتك في أخاديد ذواتنا؟!.. أشعرتنا لمرة واحدة معنى أن نكون في (عداد) الكائنات الحية وبعد رحيلك عدنا أموات كما كنا بلا قبر.

 

 

المركز الوطتي لعلاج الأورام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى