عربية ودولية

إيكونوميست: لماذا تتلاشى آمال العراق رغم اقتراب نهاية تنظيم الدولة؟

صدى الوادي / وكالات:
بدأ السكان يستعدون لتنظيم حفلات في الشوارع من خلال إطلاق الألعاب النارية. كما أعدت الحكومة العراقية أسبوعا من الاحتفالات بمناسبة سقوط الخلافة التي أعلنها أبو بكر البغدادي. وبعد ثلاث سنوات من سيطرة تنظيم الدولة على السهول الكبرى في نهري دجلة والفرات، ما أسفر عنه سقوط العديد من الضحايا في شمال غرب العراق وسوريا وخارجه أيضا، أزفت ساعة رحيل هذا التنظيم أخيرا، وفقا لتقرير صحيفة الإيكونوميست البريطانية .

في الرابع من تموز/ يوليو، قامت القوات التي تقودها الولايات المتحدة في سوريا بخرق أسوار المدينة القديمة في الرقة. أما في الموصل العراقية، فقد عادت جميع الأزقة باستثناء المدينة القديمة تحت سيطرة الحكومة، وهو الحدث الذي قامت مجلة ذي إيكونوميست بتغطيته.

ومع ذلك، فإن العثور على خلفية من أجل الاحتفال بتحرير الموصل سيكون أمرا صعبا. فتنظيم الدولة جنبا إلى جنب مع قوات التحالف دمروا العديد من الأضرحة والمساجد ذات القيمة التاريخية، التي يعود تاريخ تدشينها إلى الحملات الصليبية، بما في ذلك مسجد النوري، حيث أعلن البغدادي الخلافة.

في الواقع، هُدم الحي اليهودي، والأسواق والدور والشرفات الشعرية والمباني التي تزدان بها المدينة السنية. ولا يمكن لأحد أن ينسى ما قاله ابن جبير، الرحالة الإسباني الذي زار المنطقة في القرن الثاني عشر، “ليس هناك مكان أكثر فخامة وجمالا للجلوس فيه أكثر من إطلالة نهر دجلة”. ولكن، خسرت المدينة كل هذه المعالم بعد تفخيخ النصف الأول من الشارع، وقصف وتدمير النصف الآخر.

خلال مختلف العمليات العسكرية، دمر قرابة نصف أحياء غرب الموصل بما في ذلك الكثير من معالم المدينة القديمة. ويقدر المراقبون الأجانب أن حوالي 20 ألف منزل قد هُدّم، كما قال أحد الجنرالات الأمريكيين وهو يشاهد الأنقاض، “المدينة تمر بما شهدته مدينة درسدن سابقا”.

كانت رائحة التعفن تسود الجو الساخن، وكان المصورون يمرّون عبر أزقة المدينة القديمة الضيقة ليعودوا وفي جعبتهم صور لا متناهية لجثث الكهول والشبان الذين لقو حتفهم وظلوا لأيام إما البطانيات تغطيهم في أحد الغرف الخاوية، أو مدفونين تحت الأنقاض والركام. علاوة على ذلك، بقي الآلاف محاصرين في الأزقة، التي يُحكم تنظيم الدولة قبضته عليها، من دون ماء ولا طعام. وينضاف إلى ذلك، منع الجنود العراقيين، الذين يطوقون المنطقة، عمال الإغاثة من إيصال المعونة إليهم.

وبالعودة إلى التاريخ، كانت المعارك التي خاضتها المدينة سابقا قصيرة المدى. ففي سنة 1918 و2003، تلاشت المعارضة عندما ظهرت القوات البريطانية والأمريكية على التوالي في المدينة. حتى في المعركة السابقة لاسترداد شرق الموصل، بدأ مقاتلو تنظيم الدولة في التنازل عن الأحياء الواحد تلو الآخر، وتراجعوا غربا في المناطق الواقعة فوق نهر دجلة وسوريا، بيد أن المحاصرين في معقلهم الغربي ليس لديهم مكان آخر يذهبون إليه. وخلافا لما حدث خلال سقوط حلب أمام نظام الأسد في وقت سابق من هذه السنة، لم يتم مناقشة الانتقال السلمي للمرحلة التي تلي المعركة الأخيرة وبقي القتال ينتقل من زقاق إلى آخر.

وفي الوقت الراهن، ستحدد هذه العملية ما إذا كانت الحكومة ستفوز في المعركة خاصة، وفي الحرب ككل. في الواقع، فاقت نسبة نزوح سكان الموصل أسوأ توقعات الأمم المتحدة، حيث نزح ما يقارب 900 ألف شخص من سكان المدينة البالغ عددهم 2 مليون نسمة، بينما ظل 700 ألف شخص دون مأوى.

من جانب آخر، يسعى رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، لنقل الناس في أسرع وقت ممكن، إلا أن الأمم المتحدة تقول إن 200 ألف شخص ليس لديهم مكان يعودون إليه. والجدير بالذكر أن أغلب هؤلاء الأشخاص ينحدرون من الأحياء الفقيرة، حيث استطاع تنظيم الدولة استقطاب المجندين.

في الحقيقة، قد تطال موجة الغضب جميع أنحاء البلاد نظرا لأن عمليات الإعمار الأخرى تسير ببطء شديد. وخير دليل على ذلك، أنه بعد ستة أشهر من تحريرها، لا يزال الجانب الشرقي مقطوعا عن شبكة الكهرباء والماء، لذلك يتعين على الأمم المتحدة نقل ستة ملايين لتر من المياه يوميا إلى سكان هذه المناطق. فضلا عن ذلك، أعادت المدارس فتح أبوابها بسرعة، لكن البهجة الأولى تحولت إلى حالة من اليأس في صفوف المعلمين، الذين لم يتلقوا منذ ستة أشهر رواتبهم. أما الجامعات في الموصل، التي كانت تضم أفضل كلية هندسة في المنطقة، فقد دمرت بالكامل وتم التخلي عنها نهائيا.

خلال سنة 2003، قررت القوات الأمريكية أن تأخذ قسطا من الراحة بعد أن قرت عينها بنصر في سباقها مع الوقت في بغداد، متيحة بذلك المجال أمام المتمردين ليملؤوا الفراغ الذي تركته. ولعل هذا ما فعلوه بعد هزيمتهم لتنظيم القاعدة سنة 2007. ولكن للمرة الثانية على التوالي، تعد مسألة إعادة إعمار المنطقة أمرا بعيد المنال. ويقدر الوزراء العراقيون أن إعادة تأهيل المناطق المحررة من تنظيم الدولة ستكلف 100 مليار دولار، أي ما يقارب المبلغ الذي ينفقه الأمريكيون على الحرب.

في المقابل، تواجه الحكومة العديد من المشاكل خاصة أن دول الخليج بصدد دراسة تدخلهم، الذي لم يُحدث أي تغيير يذكر. علاوة على ذلك، يقال أن البنك الدولي خصص مبلغا يقدر بحوالي 300 مليون دولار لإعادة الإعمار، أما ألمانيا فقد خصصت 500 مليون يورو (أي 570 مليون دولار). ومن المرجح أن يتم مناقشة خطة إعادة الإعمار التي ستستغرق عشرة أعوام في محادثات الائتلاف التي ستنطلق في 10 تموز/ يوليو. ولكن، في هذه الحالة يجب الأخذ بعين الاعتبار القول العربي المأثور الذي يقول “الالتزامات هي الغيوم، والتنفيذ هو المطر”.

حتى في حال توفير المبلغ اللازم، فإن إبرام العقود والانطلاق في تنفيذ الخطط الموضوعة سيستغرق وقتا طويلا. وحيال هذا الشأن، قال عمار شبار، أحد الاقتصاديين العراقيين “سيستغرق الأمر سنة قبل أن ترى أي شيء يطبق على أرض الواقع، وحتى إن تحقق ذلك فلن تشمل هذه الإصلاحات سوى إصلاح بعض المجاري فقط”. فبعد مرور سنة تقريبا على البدء في إعادة إعمار بلدة القيارة في جنوب الموصل، لم تقم الحكومة العراقية بإعادة ربطها بالشبكة.

وفي شأن ذي صلة، قالت شركة جنرال إلكتريك، وهي شركة أمريكية فازت بالعقد، إنها لا تزال بصدد التفاوض بشأن التمويل. كما أفاد مسؤول في جنرال إلكتريك إن الخطر والفساد يعيقان آمال الشركة في العودة إلى الموصل. عموما، إن خطط إعادة الإعمار ليست سوى جزء من المهمة، إذ أن المهمة الأهم تكمن في إيجاد حل للأطفال الذين تأثرت نفسيتهم جراء القصف المستمر.

في الموصل، لاقت أعمال الإغاثة الأولية للتحرر من عهد تنظيم الدولة الإرهابي موجة من الاحتجاجات، حيث يرى المواطنون أن التنظيم كان يجمع القمامة بشكل أفضل، وأصلحوا الحفر في الشوارع بشكل أسرع، كما استطاعوا مد المنطقة بالكهرباء. وعلى ضوء ما حصل، تساءل أحد خريجي جامعة الموصل “لماذا تخلت عنا الحكومة العراقية لصالح تنظيم الدولة في سنة 2014، لتعود لاحقا وتدمر مدينتنا؟”

على الرغم من ذلك، لا يزال السكان المحليون يبلّغون عن المقاتلين والمجموعات المشبوهة ويعينون عددا كبيرا من قوات الأمن في المدينة بهذه المعلومات. وبعد الهدوء الذي استمر لعدة أشهر، عادت الخلايا النائمة لتنشط وكأنها تدق بذلك ناقوس الخطر في شرق المدينة، وعادت العمليات الانتحارية لتعصف بالمدينة من جديد.

في غضون أسبوع واحد في الشهر الماضي، قُتل ثلاثة من مختاري أو ما يسمى بمشايخ الأحياء. ويرجّح البعض أن التمرد سيعود لسابق عهده كما هو الحال في فترة اجتياح تنظيم الدولة في حزيران/ يونيو من سنة 2014. ورغم مزاعم إيران وروسيا بمقتل البغدادي، إلا أن منظمته لا تزال تنشط وتحتل مساحات من الأراضي الواقعة على الحدود السورية والعراقية (ذات الكثافة السكانية المنخفضة).

عموما، تعد الآثار المترتبة عن سقوط تنظيم الدولة من إحدى المشاكل التي تواجهها العراق، خاصة وأن الجيوش والميليشيات الاستبدادية قد تمكنت من فرض سيطرتها على الأراضي، التي كانت تحت إشراف هذا التنظيم الإرهابي. في الحقيقة، إن جيلا من الشباب العراقيين يكسبون حاليا لقمة عيشهم من خلال محاربة تنظيم الدولة، وأصبحت لديهم طموحاتهم وآمالهم الخاصة.

من ناحية أخرى، شرعت الولايات المتحدة وحلفاؤها، بعد تجنب المواجهة أثناء اعتدائها على تنظيم الدولة، في استهداف إيران والقوات الموالية لها عبر الحدود في جنوب شرق سوريا، كما أن هناك صراع مماثل يلوح في أفق العراق. في الوقت نفسه، نشب خلاف بين السياسيين العراقيين حول المنطقة الخضراء، المدينة التي تحتل قلب بغداد. وحتى الآن، ليس هناك الكثير من العلامات التي تدل على بزوغ فجر جديد للعراق بعد سقوط تنظيم الدولة .

المركز الوطتي لعلاج الأورام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى