المقالات

زينب علي البحراني : المرأة وأباطيل المجتمعات الذكورية

على مر سنين مضت وتلك الفئة من الذكور التقليديين محدودي الثقافة في عالمنا العربي يتعاملون مع المرأة على اعتبارها أدنى منزلة انسانية من الرجل،

ويعيشون أوهامًا مُجتمعيّة تصوّر لهم أنهم “أفضل” من المرأة دون وجود أسباب معنوية أو عقلية أو حتى جسدية تثبت أفضليتهم، إذ بينما تتصور الفئات الجاهلة من المجتمع أن جسد الرجل يمتاز بامتيازات تهبه تفوقًا على المرأة؛ تدرك الطبقات عالية الثقافة من المجتمعات الراقية أن ميزة جسد المرأة كواهبة رئيسية للحياة بقدرتها الفريدة على الحمل ثم الإنجاب جعلت منها مخلوقا مقدسًا عند البشرية في عصور سابقة، وهو مفهوم تم تشويهه بالتدريج في المجتمعات الذكورية المتسلطة وصولاً إلى المرحلة الأشد انحطاطا باعتبارها مجرد وعاء لإفراغ شهوات الرجل ثم تفريخ أطفاله دون حقوق أو تقدير أو تكريم، وصدقت أجيال من النساء المُغيّبات تلك الكذبة الكبيرة إلى درجة شعورهن بالفخر والاعتزاز عند إنجابهن مولودًا ذكرًا، وشعورهن بالحزن والخيبة والإحباط حين يُنجبن أنثى، رغم أن المميزات الأنثوية في صناعة الحضارة والنماء والتفوق والسلام تبلغ أضعاف مساهمات الذكور المحدودة في هذا المجال.

يقول الفيلسوف والمؤرخ الأمريكي في كتابه “قصة الحضارة”: “إن معظم التقدم الذي أصاب الحياة الاقتصادية في المجتمع البدائي كان يعزى للمرأة أكثر مما يعزى للرجل، فبينما ظل الرجل قروناً مستمسكاً بأساليبه القديمة من صيد ورعي، كانت هي تطور الزراعة على مقربة من محال السكنى، وتباشر تلك الفنون المنزلية التي أصبحت فيما بعد أهم ما يعرف الإنسان من صناعات. ومن “شجرة الصوف” – كما كان الإغريق يسمون نبات القطن – جعلت المرأة تغزل الخيط وتنسج الثياب القطنية، وهي التي – على أرجح الظن – تقدمت بفنون الحياكة والنسج وصناعة السلال والخزف وأشغال الخشب والبناء، بل هل التي قامت بالتجارة في حالات كثيرة”.. أي أن معظم ما يعيشه الذكر اليوم من حضارة ومدنية ورفاهية ومميزات مادية يرجع أصله إلى المرأة وإلى جهودها، وحدسها، وقدرتها على الإبداع والابتكار، ثم بعد أن استولى الرجل على منجزات المرأة بالقوة لينسبها إلى نفسه كعادته حين يغير على البلدان ويستعبد أهلها في حروبه الدموية ويجبر التاريخ على تسميتها “فتوحات عظيمة”، شرع بتزييف الحقائق واستعباد المرأة جسديًا وعاطفيا واقتصاديًا وإقناع “العقل الجمعي” في المجتمع الذي يعيش فيه أنها أدنى منه منزلة ومكانة عبر وسائل الإعلام، وإذا تصدق عليها بكلمتين طيبتين زاعمًا أن الدين كرّمها لا تتجاوز أقواله حدود الشعوذة الإعلامية لتبلغ منزلة الأفعال، وفي كلا الحالين لازال يحملها مسؤولية اخطائه وفشله وعُقده وحتى موجات سُعاره الجنسي وإجرامه لأنه أضعف من تحمل تلك المسؤولية، وحتى حين تُطرح قضايا اضطهاد المرأة وظلمها وإهانتها بأدلة واضحة صريحة يشرع بتكرار تلك الأسطوانة التي تجلد الضحية بدل جلد المُجرم زاعمًا أنها – بما يسميه خضوعها وخنوعها- هي سبب ما يحدث لها، وكأنه لا يعلم تمام العلم ما يصنعه بأخته أو زوجته حين تحاول التعبير عن رأيها ضد تسلطه عليها وتحكمه بها، ويتغابى عن واقع أن كثير من القوانين الرسمية ومعظم القوانين المجتمعية تقف في صف الذكور ضد الإناث، وعن كونه من مشجعي تلك القوانين الجائرة وداعميها بأعلى أصواتهم خوفا من انهيار عرش رجولته الوهمية.

نحن لا نعتبر الرجل العربي شيطانًا مقابل ملاك، لكننا نحاول إيقاظه من سُبات السنين لعله يكتشف الحقيقة التي اكتشفها الرجل في البلدان المتقدمة وتمت تربيته عليها منذ الطفولة، وهي أن المرأة ليست أقل منه ولا أدنى قيمة ومنزلة.

المركز الوطتي لعلاج الأورام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى