المقالات

“شاشات الطفولة”… حين تصبح التكنولوجيا رفيقاً وأثراً سلبياً

في عصر الشاشات المتوهجة، أصبحت الأجهزة الإلكترونية رفيقاً دائماً للأطفال، ترافقهم في لعبهم، تعلمهم، وحتى لحظات فراغهم. ومع أن هذه التكنولوجيا تحمل إمكانيات هائلة، إلا أن الإدمان عليها يفتح أبواباً من المخاطر النفسية والجسدية التي قد تؤثر على جيل المستقبل.

الطفل بين الضوء الأزرق والخيال المحاصر
يجلس الطفل، عينيه معلقتان بشاشة هاتف أو جهاز لوحي، بينما ينساب الضوء الأزرق ليغمر ملامحه البريئة. على الرغم من بريق المحتوى الترفيهي أو التعليمي، فإن التعرض الطويل لهذا الضوء يسبب إجهاداً بصرياً، وقد يؤدي إلى اضطرابات النوم نتيجة تثبيط إفراز هرمون الميلاتونين.

ولكن الأثر ليس جسدياً فقط، بل يتعداه إلى خيال الطفل الذي كان يوماً ميداناً للألعاب التخيّلية والإبداع. تساهم المحتويات الجاهزة في تقليص مساحة الإبداع، حيث يجد الطفل نفسه مستهلكاً بدلاً من مبتكر، مشغولاً بألعاب وبرامج محدودة السيناريو بدلاً من ابتكار قصصه الخاصة.

التواصل الاجتماعي في عزلة رقمية
من المفارقات الكبرى أن الشاشات التي تهدف إلى تقريب المسافات بين الناس قد تؤدي إلى عزلة اجتماعية لدى الأطفال. يشير خبراء النفس إلى أن الاعتماد المفرط على الأجهزة يعطل مهارات التواصل الفعلية، مما يؤدي إلى صعوبات في التعبير عن المشاعر أو بناء العلاقات في العالم الحقيقي.

علاوة على ذلك، يقضي الطفل ساعات طويلة أمام الألعاب أو التطبيقات، بينما تقل مشاركته في الأنشطة الاجتماعية أو اللعب الجماعي، وهو ما يضعف مهاراته الاجتماعية ويزيد من احتمالية الإصابة بالقلق أو الاكتئاب.

الإدمان الرقمي: قيد غير مرئي
الإدمان على الشاشات الرقمية بات أحد التحديات الكبرى التي تواجه الأسر. أظهرت دراسات حديثة أن الاستخدام المفرط للتكنولوجيا يؤثر على مراكز المكافأة في الدماغ، مما يجعل الطفل يبحث عن “الجرعة التالية” من التحفيز الرقمي. وهذا السلوك يشبه إلى حد كبير تأثير الإدمان على المواد الكيميائية.

وتتجلى مظاهر هذا الإدمان في نوبات الغضب عند منع الأجهزة، وصعوبة التركيز في الأنشطة الأخرى مثل الدراسة أو اللعب التقليدي.

ما الحل؟
تقع المسؤولية على عاتق الآباء والمعلمين في إيجاد توازن بين استخدام الشاشات والحياة الواقعية. يمكن تحقيق ذلك عبر وضع قواعد زمنية صارمة لاستخدام الأجهزة، وتشجيع الأنشطة البديلة مثل الرياضة، القراءة، أو الفنون. كما أن مشاركة الأهل في تجربة المحتوى مع الطفل قد تحوله إلى فرصة للتعلم والتواصل بدلاً من أداة للاستهلاك السلبي.

ذ
بينما تحمل الشاشات إمكانيات لا حدود لها، فإن إدارتها بشكل حكيم هي المفتاح لتجنب آثارها السلبية. ويبقى السؤال: كيف يمكننا استخدام هذه التكنولوجيا لتمكين أطفالنا بدلاً من أن تصبح قيداً يعوق نموهم؟ الإجابة تبدأ بخطوة صغيرة نحو الوعي والتوازن.

المركز الوطتي لعلاج الأورام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى